صالح المسعودي يكتب: مفهوم الدولة
لغط كبير أحاط بهذا المفهوم بعدما ابتلينا بملاك كل شيء بداية من الدين حتى ملاك الوطنية، ولن أكل أو أمل من هذا الوصف ما وُجِدَ هؤلاء ، ولأننا ابتلينا أيضاً بفقهاء في كل شيء فقد أصاب مفهوم ( الدولة ) ما أصاب مفهوم ( الوطنية ) وغيرهما، وبدأت افتراءات تتوالى من هنا و هناك وكل منهم يريد أن ينتصر لرأيه.
وعلى سبيل المثال فقد لحق مفهوم الدولة ما لحق بمفهوم ( الحكومة ) عند العوام، فمثلاً مفهوم الحكومة مختلف من بيئة لأخرى فهي عند الريف ( الشرطة )، فالشرطة تحملت العبء الأكبر فترات كثيرة من الزمن وظلمت ظلماً بيناً لأنها أصبحت في المواجهة تتلقى جميع إخفاقات الحكومات عبر العصور الماضية، ولأن الشرطة هي الأقرب للمواطن وهي جهة التنفيذ بالنسبة له فقد أضر هذا المفهوم المغلوط بجهاز الشرطة عبر العصور كما ذكرنا.
وهناك مثال آخر لمفهوم الحكومة ولكنه في المناطق الشعبية بشكل أوسع فهناك يطلق لقب الحكومة على ( الزوجة ) لا أدري لماذا ؟ ولكن في اعتقادي أنه بسبب إما إمساك المرأة بمصروفات البيت وعليها حمل تصريف أموره، أو لأنها من الصعب أن يتم تغييرها وهذا بالتأكيد من باب ( الفكاهة ).
ونعود لمفهوم ( الدولة ) فقد لاكت الألسن هذا المفهوم وخضع أيضاً لأوصاف ومفاهيم كثيرة أقربها أيضاً في الريف حيث مفهوم الدولة ينحصر في ( الشرطة أيضاً ) التي لم تعد تدري أي الأوصاف تتبع بعدما أساء لها الجميع بقصد أو بدون قصد، وهناك مَن اعتقد أن الدولة هي الحكومة ( برمتها ) وهذا ما يوقن به للأسف الشديد معظم موظفي الحكومة وبجميع قطاعاتها وكأن الدولة هي ذاك العدد المحدود من موظفيها.
وهذا المفهوم أدى إلى خلل كبير في المجتمع كانت بداياته هذا التعامل المهين للمواطن في أي مصلحة حكومية فتجد مرضى النفوس من الموظفين يعتقدون أنهم يمنون على صاحب الطلب أو صاحب الحاجة فكان تدخل العقلاء ممن يقومون على إدارة شؤون البلاد بداية من السيد رئيس الجمهورية بالتوجه إلى ( الحكومة الإلكترونية ).
بحيث يقوم المواطن بإنهاء إجراءات طلباته عبر نظام حديث لا يلتقي فيه بمن يستغله أو ينتظر منه الرشاوى، فقد أثار هذا المفهوم المغلوط حفيظة الكثير من أهل مصر لاسيما بعدما اقتنعت قيادات وموظفي بعض المصالح والمؤسسات على جميع أشكالها بداية من القرى حتى الأحياء بل والمحافظات والوزارات أنهم يمثلون الدولة وأنها حاميتهم وفي ظهرهم حتى لو تعدوا الحدود ولم يجل بعقول هؤلاء أن ( رأس الدولة ) أو ( السيد رئيس الجمهورية ) قد أعلنها صراحة أنه لا أحد فوق القانون وقد رأينا بأعيننا كيف أنه لم يفلت الوزراء وكبار المسؤولين من العقاب، فالقوانين لا يتم إسقاطها على أشخاص بعينهم بل هي لتسود العدالة وسيادة القانون على الجميع رضي من رضي وأبى من أبى.
الدولة يا سادة هي كل هذا الشعب بجميع طوائفه أو نختصره بكلمة البشر الذين تربطهم جذور وعلاقة وطيدة بهذه ( الأرض ) وهي المكون الثاني لهذا المفهوم يعقبها الحدود الثابتة لهذا الوطن يتلوهم هذا النظام السياسي الذي اتفقوا عليه فيما بينهم يقوم هذا النظام بتسيير أمور هذا الشعب الذي هو مصدر السلطات وصاحب الولاية الأولى والأخيرة على هذه الحدود وكل مَن يتولى منصب في هذا الوطن هو خادم لهذا الشعب وليس سيداً له فهذا هو المفهوم الصحيح لكلمة الدولة، فالوطن يا سادة يملكنا قبل أن نملكه وسيدنا قبل أن نسوده .
التعليقات مغلقة.