كل الأشياء نطقت بموتها.. قصة قصيرة للكاتبة ياسمين عزت
ومثل هذه الأيام لا تمر دون أن أذكرها.. وأتذكر يوم رأيت الموت شاخصا في عينيها، وكأنه يحدق بعيني، ليخبرني بأن رحيلها قد آن، كل الأشياء حولي كانت تؤكد على هذا، حتى الطائر الأسود، الذي كان يعتلي بيتنا القديم، فوق غرفة نومها، كأنه كان يحاول اخباري هو الآخر، بأن أمرا غير محمود، سيحدث لا محالة، وصوت الديكة نفسه، الذي كنت اتفائل به، كان يقصد شيئا، هو الاخر، حتى كلب الحراسة، الذي كان نباحه يقتلع قلبي، ولا أعلم سببا لهذا، فصوته كان غريب، في هذه الايام، كلها أشياء تجمعت وغيرها من التي لم أدركها وقتها، لتؤكد على الرحيل، جدران بيتنا كانت كئيبة، للحد الذي دفعني لفكرة الهروب من بينها، وأسرق كل أحبتي، واغادر، إلى أين لا أدري..ربما لوجهة أخرى، يسود فيها الاطمئنان، والهدوء الذي عهدته، يختفي عنها ملك الموت، الذي ظل يراقب وجوهنا، ويعلم أن القدر واقعا لا محالة، ولا ندرك نحن شيئا، وكأنه كان بعيد كل البعد، ليس إيمانا بالقدر، لكنه هو الأمل في صحبة أطول، في حياة حية، كما عهدتها معها، لكنها أصرت على الرحيل، بآلامها وأنينها، بعيدا عني، لم تخبرني يوما، بأنها تتألم من معاناة المرض، أو حتى ضغوط الحياة، حتر رحلت وهي أشد كتمانا ليس للسر، وانما لراحتي، لكن القدر كان عادلا، فكل الذي لم أدركه وهي الى جواري، أعانيه اليوم أضعاف وهي في عالم أخر، ربما تراني كما يقولون أو تشعر بي، فعلى الرغم من أنها لا تحادثني كثيرا، إلا أن حلما كل وقت كبير،يطمئنني بأنها تبتسم وتربت على كتفي وكثيرا تأخذني بين احضانها، الذي حرمت نعيمها، لاستيقظ فجأة وأجد وسادتي غارقة بالدموع، لتعود الكرة وأذكر يوم الرحيل وما قبله وما أنا به لهذا اليوم الذي احياه، وكأنها فيلم يتجدد مع اللحظة التي ينتهي بها، حتى أن هذه الأيام تشبه بكل التفاصيل، الأيام التي رحلت بها، فجدران بيتنا حزينة، ليس كالحزن الذي عهدته، في حياتها، وقبل رحيلها، لكنه حزن جديد، بنفس بشاعة السابق، لكن غموضا يتخلله، لا أدري ما الذي تخفيه الايام هذه، التي أوشك العام فيها على الانتهاء، وقارب العام الجديد المضي قدما في سنة جديدة من عمرنا، فهي نفس التفاصيل ونفس الايام، التي تتوسط رحيل عام، وإقبال أخر، لكنها اليوم تتجدد مع حبيب أخر هو عون وسند وصخرة استند إليها ..فاللهم اسندنا بايماننا بك واحفظ احبتنا وبارك اللهم في حياتهم..وارحم من رحلوا وعد لهم نعيما يليق برحمتك وعفوك، فكم حيينا بنعيم في صحبتهم.
التعليقات مغلقة.