Take a fresh look at your lifestyle.

العربية الرولزرويس والقطط السمان.. من مذكرات رفعت المحجوب

188
فى أوائل السبعينات من القرن المنصرف ، كان ا.د. رفعت المحجوب عميدا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة ، كان هناك شاب يدعي مانع سعيد العتيبة الإماراتي الجنسية ، طالب ماجستير ثم دكتوراة بالكلية من عام 1971 إلى عام 1976، إلا انه فى عام 1974 تم تعيين د. المحجوب الأمين الأول للإتحاد الإشتراكي العربي و نائب رئيس مجلس الوزراء .
وطلب الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ، من الرئيس الراحل أنور السادات، ان يتولى د. رفعت المحجوب الإشراف على رسالة
الدكتوراة الخاصة بالطالب مانع سعيد العتيبة ، الذي كان فى ذلك الوقت يشغل منصب رئيس دائرة البترول فى إمارة أبو ظبي ، ثم أصبح اول وزير للبترول و الثروة المعدنية فى دولة الإمارات العربية المتحدة بعد ان تم إنشاء وزارة البترول في دولة الإمارات.
اعتذر د. رفعت المحجوب عن هذه المهمة وأبدى لهم انشغالة بالعمل السياسي و الدعوة والفكر فى الجامعة و اللجنة المركزية بالاتحاد الإشتراكي ، و رشح بدل منه الراحل ا.د. عبد العال الصكبان الذي كان استاذ مانع العتيبة فى جامعة بغداد ( العراق ) و التي حصل منها الوزير الإماراتي على درجة البكالوريوس فى كلية الاقتصاد .
وبالفعل سجل مانع العتيبة رسالة الدكتورة مع المرحوم ا.د. عبد العال الصكبان ، والذي كان يعمل فى مصر وقتها رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية( التابع لجامعة الدول العربية ) ،
-والجدير بالذكر أيضا هنا ، ان د. الصكبان قبل الإشراف على رسالة الوزير مانع العتيبة وذلك وفاء لاستاذة السابق بجامعة القاهرة ، د. رفعت المحجوب .
الا انه أثناء تلك الفترة وبالتحديد خلال النصف الأول من عام 1976 تم إعفاء المحجوب من منصبة وذلك بسبب مقالة الشهير فى جريدة الأهرام عن سياسية الانفتاح الاقتصادى المرتقبة ، بعنوان ” القطط السمان” ، حيث ذكر فيها المحجوب :
انه يجب أن نقضي على القطط السمان قبل أن تتحول إلى بقرات سمان و تنهب خيرات البلاد ، و تضر الاقتصاد المصري والصناعة الوطنية و القطاع العام” …..!!!!!
الشيء الذي اغضب الرئيس الراحل أنور السادات ، فاصدر قرار بإعفائه من منصبة ، ثم بعث للمحجوب الأساتذة الدكتورة عائشه راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية فى ذلك الوقت ، و زميلة المحجوب فى كلية الحقوق جامعة القاهرة، لكي تعرض عليه منصب سفير فى اى دوله أوروبيا، أو رئيس بنك استثماري أو شيء من هذا القبيل، كنوع من التكريم ، مثلما حدث مع العديد أمثال من ا. د. مصطفي خليل وا. د. عاطف عبيد رؤساء وزراء مصر السابقين.
الا ان المحجوب اعتزر ، وطلب ان يعود إلى جامعة القاهرة ، استاذ كما كان فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية .
وعليه طلب د. الصكبان من المحجوب ان يكمل هو متابعة رسالة الوزير العتيبة، وأن يكون الصكبان مشرف ثاني ( و هذا تقديرا لاستاذة) ، فقبل المحجوب ، و أضاف إلى لجنة التقيم و المناقشة مشرف ثالث ، وهو الراحل ا.د. عاطف صدقي الذى كان فى ذلك الوقت رئيس قسم المالية العامة والاقتصاد بكلية الحقوق جامعة القاهرة ، والذي أصبح بعد ذلك رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات و رئيس مجلس الوزراء فى عهد الرئيس الأسبق مبارك ، بناء على ترشيح رفعت المحجوب له.
وفى يوم المناقشة وصل الرئيس الراحل أنور السادات و سمو الشيخ زايد إلى جامعة القاهرة ، و بالتحديد داخل قاعة جمال عبد الناصر( والتي تعرف الان باسم قاعة الإحتفالات الكبرى ) ، و حضر المناقشة الكثير من كبار رجال الدولة و الشخصيات العامة من مصر و الوطن العربي ، و الإعلام المصري والعربي والأجنبي … الخ.
استمرت مناقشة الرسالة إلى ما يقرب الثلاث ساعات ، رغم توقع الكثير انها سوف تكون مسرحية تؤدى الغرض أمام رؤساء الدول وكبار رجال الدولة من مصر والإمارات ،
إلا أن الراحل د. عاطف صدقي لم يعير اي اهتمام للحاضرين واخد يناقش كل كبيرة وصغيرة فى موضوع الرسالة ، حتي انه فى فترة الاستراحة طلب السادات من مساعدة د. ناصر الأنصاري رئيس لجنة النشاط الثقافى والدينى برئاسة الجمهورية.. ( الذي أصبح رئاسة مجلس إدارة الهيئة العامة المصرية للكتاب ، فى عهد الرئيس الأسبق مبارك ) ان يطلب من اللجنة الإسراع فى إنهاء المناقشة لارتباطهم بعشاء رسمي على شرف سمو الشيخ زايد.
وبعد الانتهاء من مناقشة الرسالة منح الوزير الإماراتي درجة الدكتوراة وانتهاء مراسم الاحتفال الروتينية، وفى طريق الرئيس السادات و سمو الشيخ زايد إلى ركوب السيارات ،
و على سلم الخروج من مبني رئيس جامعة القاهرة ، كان المحجوب و مانع العتيبة و باقي لجنة الإشراف فى وداع الرئيس الراحل أنور السادات وسمو الشيخ زايد.
وفوجئ المحجوب أمام الحضور ، بأن الوزير مانع سعيد العتيبة يقدم له مفتاح سيارة ماركة رولزرويس لون ذهبي( جديدة) واقفة أمام مبني رئيس جامعة القاهرة فتعجب المحجوب
وقال : ما هذا يا دكتور مانع ….!!!
قال الوزير : هي هدية بسيطة تعبر عن امتناني و شكرى و تقديرى لحضرتك على مجهود معي تلك الفترة و العلم الذي تعلمته منك ، فأنت لى بمثابة أب وقدوة فى كل شيء.
فقال المحجوب : انا لم افعل شيء خارج نطاق عملي كاستاذ بالجامعة وانت بالنسبة لى ابن عزيز من دولة شقيقة ، أقدم له علمي مثلما أقدمه لكل طالب علم ، و الجامعة تعطني مكافأة على ذلك ، و هذا يكفي ، لك ان تقدم لى علبة شوكولاتة كما يفعل باقي طلاب الدكتوراة و الماجستير ، فى مثل هذه المناسبات.
ضحك الرئيس الراحل أنور السادات و سمو الشيخ زايد.. وقال السادات : هو انت لن تتغير ابدا يا رفعت … حتفضل اشتراكي طول عمرك..! ابتسم المحجوب وقال :
ابدا والله ، سيادتكم انا استاذ بالجامعة كيف يمكن أن أدخل إلى الحرم الجامعي ادرس لطلاب الجامعة بمثل هذه الثروة المتنقلة ، وانا مرتبي معروف ، وسوف ينالني الكثير من القيل و القال ، أضف إلى ذلك سؤال الكسب غير المشروع ، وانا لى إقرار ذمه مالية موضح به قدر ما امتلك ومصدر دخلي يا سيادة الرئيس …!!
فسأل الرئيس الراحل أنور السادات؛ هما بيدوكم مكافأة كام على الاشراف ومناقشات الماجستير والدكتوراه…!! فرد الراحل د. صوفي ابو طالب رئيس جامعة القاهرة فى ذلك الوقت والذي أصبح بعد ذلك رئيس مجلس الشعب، و رئيس مؤقت لمصر بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، وقال: حوالى ٣٥٠ جم إلى ٤٠٠ جم ياريس…!
ضحك السادات و قال :ابقوا ارفعوها شوية يا صوفي ، و نظر إلى المحجوب و قال السادات وهو يضحك : مش كنت خدت العربية احسن يا رفعت ..!
وظل المحجوب و العتيبة و صدقي و الصكبان من اعز الأصدقاء، حتي فى فترة تولي المحجوب رئاسة مجلس الشعب، وكان صدقي رئيس مجلس الوزراء و العتيبة وزير بترول الإمارات العربية المتحدة.
وكان للمحجوب والعتيبة دور كبير فى فترة الثمانينات من تقريب وجهات النظر وإزالة التوتر السياسي الذي دام عشر سنوات بين مصر وبعض الدول العربية ، ولعبا دور محورية فى إعادة جامعة الدول العربية إلى مقرها الأساسي مصر عام 1989 ، بعد أن كانت قد نقلت إلى تونس بسبب اتفاقية كامب ديفيد عام 1979، إلى جانب توطيد أواصر التعاون بين مصر و الإمارات العربية المتحدة.
وكان العتيبة يصر كل مرة عند عودتة من اجتماعات الاوبك بمدينة جنيف ( سويسرا ) ان يصطحب معه على الطائرة الخاصة وزير بترول مصر ، مثل الراحل الوزير عبد الهادي قنديل ،ويقول بكل فخر : انا تلميذ رفعت المحجوب ، و من واجبي أن اصطحبكم إلى مصر وفاء لاستاذي ، وهي حجه سوف أقولها لسمو الشيخ زايد ، لكي أزور مصر يوم أو يومين و اسعد بلقاء د.رفعت و د.عاطف ود.الصكبان .
رحم الله من توفاهم الله ، وأطال فى عمر من تبقي منهم علي قيد الحياة.
رفعت المحجوب 1976
من مذكرات رفعت المحجوب

التعليقات مغلقة.