Take a fresh look at your lifestyle.

شحاتة زكريا يكتب: اقتصاد العالم على صفيح ساخن

23

فى أبريل 2025 دخلت العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين مرحلة غير مسبوقة من التصعيد لكن ما حدث لم يكن مجرد خلاف حول رسوم جمركية ، بل نقطة تحوُّل كبرى فى مسار النظام العالمى الذى عرفناه منذ نهاية الحرب الباردة.

فى لحظة واحدة انقلبت الأدوار وتبدلت المواقع وظهر مشهد دولى جديد تسيطر عليه لغة الحماية بدلا من التعاون والاصطفاف بدلا من التعددية والتنازع بدلا من التكامل.

الولايات المتحدة التى طالما قادت العولمة وروّجت لحرية الأسواق تتراجع اليوم عن هذا الدور ، وتُغلق أبوابها بحزمة من القيود الجمركية ، وعلى رأسها قرارات الرئيس دونالد ترامب بفرض رسوم تصل إلى 125% على المنتجات الصينية.

أما الصين ففى تحول لافت تتبنى خطابا منفتحا يدعو للتعاون والشراكة وتسهيل حركة التجارة ، وكأن العالم يُعاد تشكيله من جديد بقيم مختلفة وقادة جدد.

هذا التحول لم يكن وليد اللحظة. فقد تراكمت التوترات خلال سنوات لكنّ قرارات ترامب الأخيرة فجرت كل شيء دفعة واحدة.

وكأن الرئيس العائد أراد أن يكتب فصلا جديدا فى الاقتصاد الأمريكى مستخدما لغة الحرب لتحرير ما يعتبره “اقتصادا مخطوفا”، بينما يرى خصومه أنه يعيد العالم إلى عصر ما قبل المؤسسات ، وما قبل القواعد المتفق عليها.

ردّ الصين كان بنفس القوة بل وبنفس الأرقام لترتفع الرسوم المتبادلة إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن الخطر الأكبر لا يكمن فى هذه النسب بل فى ما تعكسه من انزلاق أكبر اقتصادين فى العالم إلى مواجهة مفتوحة قد تطول وتترك أثرها على الجميع. فما بين الحرب الجمركية والردود المتبادلة تضيع فرص النمو ويتراجع الأمان الاقتصادى وتُصاب الأسواق بحالة من الذعر المزمن.

اللافت أن هذه الحرب لا تحدث بين نظامين متناقضين كما كان الحال فى القرن الماضى ، بل بين دولتين يفترض أنهما استفادتا من العولمة وتبادلت المصالح لعقود.

المفارقة الآن أن الدولة التى دافعت طويلا عن السوق الحرز، أصبحت من يتراجع عنه والدولة التى كانت تفرض القيود والانغلاق تتقدم الصفوف فى الدفاع عن التجارة الحرة.

هذه التبدلات لا تمر مرور الكرام فالتقارير الاقتصادية تشير إلى تباطؤ واضح فى حركة التجارة العالمية وانكماش متوقع فى الاقتصاد الأمريكى والصينى على السواء فضلا عن ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع.

وبالرغم من محاولات بعض الأطراف الدولية التهدئة ، فإن الجو العام يوحى بأن العالم يدخل مرحلة جديدة تُرسم فيها خرائط النفوذ بمعايير مختلفة تمامًا.

الحديث هنا ليس عن أرقام فقط بل عن تصورات وأفكار تقود السياسات. الاقتصاد لم يعد مجرد آلية للنمو بل ساحة للصراع على القيادة.

الولايات المتحدة تشعر أنها أعطت كثيرا ولم تحصد ما تستحق ، والصين ترى فى اللحظة الحالية فرصة لتأكيد موقعها كقوة تقود التوازن العالمى ، لا فقط كشريك تابع.

ما نعيشه الآن ليس فقط نزاعا تجاريا بين بلدين بل لحظة مفصلية يتغير فيها شكل العالم.

العولمة التى كانت تُعتبر مسارا لا رجعة فيه أصبحت محل شك والنظام العالمى الذى صاغته القوى الغربية يبدو فى طريقه إلى التحلل. وفى هذا الفراغ تظهر الصين كمرشح قوى لتشكيل نسخته الجديدة بينما تحاول الولايات المتحدة أن تستعيد زمام المبادرة ولو بثمن باهظ.

المعركة مفتوحة والمصالح متشابكة والنتائج غير محسومة، لكن المؤكد أن ما بعد 2025 لن يكون كما قبله. فالعالم الذى تعوّد أن يرى أمريكا منارة الانفتاح ، والصين نموذجا للانغلاق بدأ يتعوّد على صورة جديدة… صورة أكثر تعقيدا وأقل يقينا.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.