Take a fresh look at your lifestyle.

أسماء فتحي تكتب: الأنقياء يرحلون مبكراً !!

167

 

في أحد الأركان كانت تجلس دائما رانيا جاويش علي مكتبها الخاص بالقسم الاقتصادي في صالة التحرير،تجدها دائما حريصة علي إتمام عملها علي أكمل وجه وبدقة متناهية..صحفية من طراز خاص..وإنسانة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ..لا تفارق الابتسامة وجهها..طيبة إلي أبعد الحدود .. بشوشة..هادئة..تمتلك قلبا نقيا لا يحمل في داخله إلا كل الحب لمن حولها ..لديها مشاعر أمومة فياضة،وطاقة إيجابية غير عادية
تنثرها علي الجميع كما تنثر الأزهار عبيرها ..
،هكذا عهدتك يا صديقتي منذ أن تزاملنا في العمل الصحفي علي مدار عدة سنوات..كنت خلالها مثالا للصديقة الصدوقة،والأم الحانية وكنت تدللينني دائما وكأنني طفلتك ولست صديقة أو زميلة في العمل وحسب ،فدائما كنت افرح بعبارة “وحشتيني ياسمسمة..عاملة ايه؟!”..نسمة طيبة تمر بيننا لا تترك في نفوسنا إلا طيبا..لقد كنت “بنت موت”يا رانيا كما يطلق علي أصحاب الأرواح النقية..لا أذكر أنك اختلفت مع أحدنا علي أي شيء،فقد كنت تأتين بهدوء..وترحلين بهدوء_وما بين الحضور وانتهاء فترة العمل- كانت لا تنقطع الضحكات، وأطيب الكلمات ..
كما أذكر حديثنا عندما رويتي لي كيف كان كل شيء في حياتك سريعا ومبكرا..حينما انهيت الثانوية العامة وتزوجت بعدها..وصممت علي استكمال دراستك ودخول الجامعة..وكيف كان زوجك أصيلا ،علي قدر المسئولية ولم يمانع في ذلك ..بل شجعك علي إنهاء دراستك وكيف ساندتك والدتك في رعاية ابنيك اللذين رزقتي بهما وانت في مرحلة الدراسة الجامعية..حتي انهيت دراستك،وكنت تضحكين وتقولين لي :”أنا جِدة وعندي حفيدة!!”رغم انك في الأربعينيات،هكذا فاجأتيني!!،فكان السؤال،وكانت الحكاية ..أتذكر أشياءا كثيرة منذ أن جمعنا طريق صاحبة الجلالة..وكيف كنا نجلس كثيرا في الجورنال في الفترة الأخيرة..هل كنت تودعينني دون أن تخبريني يا صديقتي؟!..أم كنت تستعدين للرحيل في هدوء دون أن تُشعرينا؟! ..في الأسبوع الأخير لم نتقابل وعلمت أنك في أجازة لشعورك ببعض أعراض البرد..لكنه لم يكن كذلك ،فقد كان كورونا اللعين يتسلل إليك في خبث دون أن تلق له بالا فقد كنت حسنة النية يا صديقتي أكثر من اللازم!! ..وجاءت اللحظات الأخيرة وعلمنا بنقلك إلي إحدى المستشفيات بعد أن كشر الفيروس اللعين عن أنيابه التي لم ترحم قلبك الطيب ،وهاجمك بشراسة لا تستحقينها..وفوجئنا بتطور الأمر ما استدعي وضعك علي جهاز التنفس..غصة في قلبي شعرت بها، وقلق شديد انتابني،وسارعت بالإتصال علي هاتفك علي أجد مايطمئن نفسي،فكان الرد من الزوج الأصيل بكلمات تخنقها الدموع محاولا التظاهر بالثبات هي في الرعاية المركزة و(الأكسجين 15) !! ازداد قلقي لكنني قاومته وكان الأمل هو مانتعلق به جميعا .. ومابين مطالبة بالدعاء وصعود إلي السماء لم يستغرق الأمر سوي 60 دقيقة ..كانت هي الفاصلة والحاسمة والقاطعة أيضا..60 دقيقة رفعنا جميعا أكفنا _خلالها_بالدعاء في توقيت واحد بالشفاء العاجل والنجاة القريبة..فكان الشفاء وكانت النجاة .. شفاء دائم من أسقام الدنيا جميعها ،وأوجاعها ..ونجاة من غرورها وتبعاتها إلي حياة أبدية،لا نصب فيها،ولا وصب ..
فاجعة أدمت قلبي و قلوبنا جميعا ..وأبكت عيناي دون توقف طوال ليل لم أشهد أثقل منه وظللت كذلك حتي نهاية اليوم التالي وأنا غير مصدقة وأتساءل ،بل وألمح هذه الأسئلة في أعين كل الزملاء ..هل حقا رحلت رانيا؟! ..هل غادرتنا إلي الأبد صاحبة الضحكة الحلوة و القلب الطيب ؟!..أم أن الأنقياء دائما يرحلون سريعا ويصعدون إلي السماء مبكرا ؟! وفي دموع أعيننا والصمت المطبق، كانت الإجابة ..ربما لم تكن الأرض كافية لرحابة روحك ونقاء نفسك..الحروف تعاندني والكلمات تتعثر في يدي أثناء الكتابة ،فالأمر جلل يا صديقتي لا أخفيك سرا..ورحيلك موجع حقا،فقد رحلتِ فجأة، دون وداع..رحيل لا لقاء بعده ..ولا نقول إلا ما يرضي الله.. عزائي أنه رحيل في أيام مباركات..فنحن يا صديقتي نفر من قدر الله إلي قدر الله ..من منا يملك لنفسه نفعا أو ضرا ؟! ..لكن نفسك المطمئنة لاخوف عليها وكانت البشري من الله العلي القدير ..فقد سمعت في قرآن الفجر قوله تعالي:”الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”فكانت الآية (32)من سورة النحل رسالة الرحمن لما ينتظرك من أجر كبير وكأنها البشري بالجنة يا صديقتي، وطبطبة إلهية علي قلبي كي يهدأ بأنك في مكان أفضل ،و في قراءة أخري يختتم القاريء تلاوته لسورة الفجر الكريمة بقوله تعالي :”يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي “..لتكرر البشري بالجنة ثانيةً .. طيب الله مرقدك ..ورزقك الجنة بلا حساب ونحتسبك بإذنه شهيدة في رحابه ..اسأل الله لنا جميعا ولزوجك وابنيك وأحبائك الصبر الجميل .. علي روحك الطاهرة سلاما ياصديقتي مع الأبرار وفي عليين.

التعليقات مغلقة.