بقلم – شحاتة زكريا
في خضمّ التقلبات السياسية والدبلوماسية التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط برزت مفاجأة كبرى تتعلق بمبادرة أمريكية غير مسبوقة حيث جرت مفاوضات سرية مباشرة مع حركة حماس في الدوحة. تأتي هذه الخطوة في وقت يشهد فيه النظام الدولي إعادة ترتيب لأولويات علاقاته، وقد أثارت هذه المبادرة تساؤلات عدة حول الأسباب والدوافع التي تقف وراءها ، فضلا عن العواقب المحتملة على العلاقات الإقليمية ومصالح الأطراف المعنية.
يبدو أن إدارة ترامب اتخذت قرارا جريئا بتفويض ممثل لها صلاحيات كاملة لإجراء حوار مباشر مع حماس ، وهو الأمر الذي يخالف التقليد الذي اتبعته الإدارات الأمريكية السابقة منذ إعلانها عن حماس منظمة إرهابية في تسعة أعوام من قبل. إذ يشير هذا التحول في النهج إلى رغبة جديدة في اقتحام طرق دبلوماسية قد تبدو مثيرة للجدل ، ولا سيما في ظل غياب التشاور المسبق مع إسرائيل ، الحليف التاريخي للولايات المتحدة في المنطقة. هذه المبادرة أثارت حالة من القلق والتساؤل بين المسؤولين الإسرائيليين الذين طالما اعتادوا أن تكون الولايات المتحدة الواسطة الأساسي في مثل هذه الملفات الحساسة.
من جهة أخرى يمكن تفسير هذه الخطوة على أنها محاولة لإعادة صياغة ملامح السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بما يتماشى مع الاستراتيجية التي تتبناها الإدارة الحالية والتي تفضّل اتخاذ مواقف فردية قد تتجاوز حتى مصالح الحلفاء التقليديين. إذ يشير هذا التجاوز إلى أن الرئيس ترامب لا يمانع في العمل على تنفيذ مبادرات تتعارض مع توقعات شركائه إذا ما اعتبر ذلك ضروريا لتحقيق أهدافه الاستراتيجية سواء على صعيد الشرق الأوسط أو في إطار تعامله مع قضايا أخرى على الساحة الدولية. وقد شهدت الفترة الأخيرة عدة تحركات أمريكية مشابهة حيث بدا أن القيادة الأمريكية تسعى إلى إحداث تغيير في طريقة إدارة الأزمات السياسية عبر تبني سياسات أكثر جرأة واستقلالية.
تأتي هذه المفاوضات في وقت حساس إذ يُعتقد أنها قد ترتبط بمسائل تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل وربما تمتد لتشمل ترتيبات تتعلق بوقف إطلاق النار بشكل مؤقت أو دائم. ويُذكر أن الأنباء الأولية أشارت إلى أن الملف قد لا يقتصر على قضية الأسرى فقط بل قد يشمل مسائل أمنية وسياسية أوسع مما يزيد من تعقيد المشهد الدبلوماسي في المنطقة. كما أن التأجيل المفاجئ لزيارة المفاوض الأمريكي الرئيسي إلى المنطقة يُفسر على أنه انتظار لإنجاز خطوات أولية يمكن إعلانها كإنجاز لإدارة ترامب ، مما يضيف بُعدا آخر للتكهنات حول مستقبل هذه العملية.
من الناحية الإقليمية يبرز هذا التحرك كجزء من ديناميكية جديدة قد تؤثر على علاقات القوى في الشرق الأوسط. فعدم إشراك إسرائيل في هذا الملف بشكل مباشر يثير تساؤلات حول مدى تأثيره على التوازن الحالي في المنطقة، حيث اعتادت الحكومة الإسرائيلية أن تكون على دراية كاملة بكل التطورات المتعلقة بملفات الأمن القومي. وفي ظل هذا السياق يبدو أن عدم التنسيق مع إسرائيل قد يكون دلالة على رغبة إدارة ترامب في اتخاذ خطوات منفردة، ما قد يؤدي إلى تداعيات غير متوقعة على العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية وعلى استقرار المنطقة بشكل عام.
على الصعيد الدبلوماسي تُظهر هذه الخطوة أن السياسات التقليدية لم تعد ثابتة بل أصبحت تتغير بتغير ملامح النظام الدولي وتداخل مصالح الأطراف. فالتواصل المباشر مع جهة كانت تُعتبر سابقا خارج دائرة الحوار الرسمي يفتح المجال أمام مفاوضات قد تحمل في طياتها فرصا جديدة لتخفيف حدة الصراعات ولكنها تحمل أيضا مخاطر كبيرة تتمثل في احتمال تفاقم الانقسامات الإقليمية. وفي هذا الإطار تبرز تساؤلات حول مدى قدرة الأطراف المختلفة على استيعاب التحولات الدبلوماسية ومواجهة تحدياتها دون الإضرار بمصالحها الحيوية.
ومن الجدير بالذكر أن مثل هذه المبادرات لا تخلو من عوامل استراتيجية داخلية وسياسية فقد تكون جزءا من مساعي إدارة ترامب لإعادة بناء صورته على المسرح الدولي من خلال تحقيق مكاسب دبلوماسية تبرز قدراتها على حل الأزمات حتى وإن جاءت بأساليب غير تقليدية. وبينما يُنظر إلى هذا الملف بنظرات متباينة داخل الدوائر الأمنية والدبلوماسية يبقى السؤال الأكبر حول مدى استدامة هذه الخطوة وإلى أي مدى ستتمكن الإدارة الأمريكية من تحويل هذه المبادرة إلى نجاح ملموس دون أن تُفقد نفسها فرص التأثير على محركات السياسة الإقليمية.
في الختام تظل مفاوضات ترامب مع حماس محطة حساسة تستحق المتابعة الدقيقة إذ إنها قد تكون نقطة تحول في تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط. وبينما تنتظر الأوساط الدولية النتائج المحتملة لهذه المبادرات يظل المستقبل مفتوحا على العديد من السيناريوهات التي قد تحمل في طياتها تغيرات جذرية في ميزان القوى الإقليمي. الوقت وحده كفيل بإظهار مدى نجاح أو فشل هذه المحاولة وما إذا كانت ستؤدي إلى إعادة رسم خريطة العلاقات في المنطقة أم ستظل مجرد خطوة مؤقتة ضمن سلسلة من التحركات الدبلوماسية المتقلبة.
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.