حديثٌ هام كان دائماً ما يدور في رأسي أثناء حل النزاعات بين الناس لا لشيء إلا أنني أرى تصرفات بعض الأشخاص وكأنهم في عِداد الأموات أو يستحقون ذلك بالفعل ، فليس كل مَن مات ( وقُبر ) في أعداد الأموات ، وليس كل مَن هو لم تخرج له ( شهادة وفاة ) يعتبر من الأحياء ، فإن الإنسان في كل الأحوال عبارة عن ( ذكرى ) مع العلم بأنه هو من يكتب تلك الذكرى فإن أحسن كتابتها كان حياً أمام الناس حتى لو ( قُبر ) وخرجت له ( شهادة وفاة ) ، وإن هو أساء كتابة ذكراه و ( ذكره ) كان ميتاً حتى وهو لم يُقبر
وهنا أتذكر قول الشافعي ( عليه رضوان الله )
فقد مات قومٌ وما ماتت فضائلهم وقد عاش قومٌ وهم في الناسِ أمواتُ
أضف لذلك أيضاً أمور كثيرة مرتبطة بحياة الميت أو موت الحي ( كالخوف ) وهنا لابد أن نذكر الفارق بين ( الشجاعة والجُبن ) على سبيل المثال ، فالشجاع يموت في العمر مرة واحدة في حين أن الجبان يموت في اليوم ألف مرة ، فالخوف نوعٌ من الموت البطيء أو قد يؤدي للموت الحقيقي ( أي مفارقة الحياة ) ، فالخوف من شيء ما ومجرد توجس الخيفة الدائم يجعل الشخص يموت كل يوم دون أن يدري
ومن أسباب موت الأحياء وهم ينظرون موتهم البطيء ( القلق ) ، فالقلق أيضاً لا يقتصر على ( الأرق ) والتوتر البسيط بل القلق شيء أعم مثل القلق على المستقبل ، والقلق من أحداث لم تحدث بعد ، والقلق من النتائج المترتبة على كذا وكذا ، وهذا بالتأكيد يؤدي إلى مداومة انشغال الفكر والقلب بأمور قد تحدث وقد لا تحدث ، ولكنها تطغى على الحيز الأكبر من التفكير
ومما لا شك فيه أن ( البُخلُ ) أعاذنا الله وإياكم منه من أهم أسباب موت الشخص وهو على قيد الحياة ، فالبخل والشح لا يميتان ( الذكر ) بعد الموت فقط ، بل إنهما يميتان الشخص وهو حي أما ( الكِرام ) فها هم يحتلون القلوب ، بل ويحتلون ذاكرة التاريخ ، فمن ماتوا منهم منذ قرون عديدة مازلنا نتذكرهم ونتباهى بأن نسمي أبناءنا بأسمائهم تيمناً بهم وتشريفاً للمولود ، فأي فضل ذاك الذي يحفر اسم صاحبه في ذاكرة التاريخ التي لا تحابي أحدا ، وهناك الكثير ممن يموت ذكرهم قبل وفاتهم الحقيقة من شاكلة عديمي المروءة والنخوة والشهامة وزد عليهم أهل ( النذالة ) ، وهنا أتذكر مقولة قديمة يقول صاحبها
النذل ميت وهو حي ما حد يحسب حسابه
يشابه الترمس الني اللي حضوره يشبه غيابه
عزيزي القارئ إن أهون أنواع الموت هو الموت ( الحقيقي ) الذي تخرج له ( شهادة وفاة ) طبيعية ، لأننا جميعاً سنموت وهذه أكثر حقيقة مؤكدة في العالم إن عاجلاً أو آجلاً ، لكن أصعب أنواع الموت هو أن يموت الشخص وهو على قيد الحياة إما بسبب خوفه أو قلقه وهما بالتأكيد بسبب ( ضعف إيمانه بمسبب الأسباب ) وهو هنا يحتاج إعادة التفكير وبسرعة في علاقته مع ربه حتى تعود له الطمأنينة والهدوء النفسي الذي يعطي للحياة قيمة ، وإما بسبب تصرفاته وبخله اللذان يوديان به إلى سوء العاقبة في الدنيا و الآخرة لذا كان لزاماً عليه أن يتعجل التوبة والأوبة لله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، أما من قلت مروءته ونخوته فيكفيه سوء عاقبة أن يقبع في ( مزبلة التاريخ ) دمتم بخير
تسجيل الدخول
تسجيل الدخول
استعادة كلمة المرور الخاصة بك.
كلمة المرور سترسل إليك بالبريد الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.