Take a fresh look at your lifestyle.

“مصر الدرع الواقي لأمن وأمان دول الخليج”.. لماذا لا تدخل مصر مجلس التعاون الخليجي؟

103

إن علاقات دول مجلس التعاون الخليجي بمصر هي خير دليل على الفروقات بين تلك الدول ومقدار تفاوت مواقفها من القضايا الإقليمية. ولعل أهم هذه العلاقات هي تلك التي تربط مصر بالمملكة العربية السعودية،

وتثمل الدولة المصرية والسعودية الركيزتين الأساسيتين للنفوذ والسياسات العربية المعاصرة. فعدد سكان مصر يفوق ذلك في سائر الدول العربية.

لا تنظر مصر للعلاقات الراهنة مع دول الخليج علي أنها علاقات مع دول أشقاء وقفوا وساندوا ودعموا مصر بعد ثورة 30 يونيو فقط، وإنما تنظر أيضا لعلاقات ممتدة وارتباطات أمنية واستراتيجية تربط الأمن القومي المصري بالأمن الوطني الخليجي في ظل متغيرات جارية علي قدم وساق في المنطقة، وفي إطار ما يخطط لإدارة أفضل للمنطقة العربية

وفي إطار فك وتركيب التحالفات الإقليمية والدولية الجديدة، وهو ما سيضع علي عاتق مصر ودول الخليج التنسيق وبناء استراتيجيات أمنية وسياسية مترابطة ومتماسكة وبصورة استباقية تتجاوز التنسيق الجاري والمعتاد لمرحلة جديدة من وضع التصورات والرؤي وبناء التحالف في الملفات الجديدة، وأخطرها التعامل مع أفكار الناتو العربي أو بناء منظومة علاقات عربية تدخل دولا جديدة في منظومة العلاقات، وهو أمر يجب أن يخضع لحسابات وتقديرات مصرية وخليجية مباشرة، وبالتالي فإن المطلوب أن يبدأ تنسيق خليجي ومصري حقيقي مع القبول بالتوافق في الحد الأدنى من التجاذبات في الملفات المطروحة، لأنها ستحتاج بعض الوقت لتفكيك عناصرها والتفاهم بشأنها، وربما تكون مرحلة بطبيعة الأمر إلي توقيت لاحق، خاصة مع استمرار طرح الأولويات والمهام المشتركة ووضع جدول أعمال مصري خليجي يبني علي أساس حوار استراتيجي ممتد يفتح الباب لطرح كل القضايا علي مراحل، مع العمل علي بناء استراتيجية حركة مشتركة في ظل وجود مخاطر وتحديات قائمة، وعلي رأس هذه المخاطر استمرار الممارسات الإيرانية في العراق وسوريا واليمن، وفي التدخل السافر في شئون البحرين والحضور الأيدولوجي الراهن في الإقليم، وكذلك إيجاد استراتيجية حركة تجاه تركيا من جانب وإسرائيل من جانب آخر، مما يمكن أن يحدث ترابطا في التوجهات المصرية الخليجية

فلطالما أهملت الخطابات السياسية العربية التطرق إلى الحلم بإنشاء نظام حوكمة سياسي عربي يعالج الخلل المفترض في التوازن ويسمح للدول العربية المكتظة بالسكان، ولاسيما مصر، بالوصل، بطريقة أو بأخرى، بشكل مباشر إلى الموارد النفطية الخليجية.

إلا أن مفهوم التعاون والتنسيق المتينين بين مصر ودول الخليج يعد قوة بشرية وقوى عاملة وقوى بشرية وعسكرية هائلة، بينما تتمتع الثانية، ولاسيما المملكة العربية السعودية، بموارد ماليةّ ومادية. كما تتميز مصر بتاريخها العريق وحضارتها الغنية ومكانتها الريادية التقليدية في العالم العربي، وتتمتع الدول الخليجية بدورها بإرث تاريخي عريق، ولاسيما أن الّمملكة العربية السعودية تحظى بمكانة خاصة نظرا إلي اعتبارها مهد الإسلام، وموقع المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة.

إن حجم مصر الديموغرافي وأهميتها الاستراتيجية والثقافية والسياسية بالنسبة إلى العالم العربي، بالإضافة

إلى وضعها الراهن كجمهورية عربية تتعافى كسرعة الضوء و  ما هي إلا مؤشرات على أن الدول الخليجية تعتبر في الواقع أن مصر بشكل عام وحكومتها الجديدة بشكل خاص، «أكبر من أن تفشل».

المجتمعات العربية بقيادة الدولة المصرية  حول استعادتها للاستقرار بشكل عام وتمكنها من درء التحديات التي تطرحها إيران وأي دولة أخرى غير عربية تسًعى إلى الهيمنة، ويحتمل أن تكون تركيا إحدى هذه الدول. هذا وقد يتسبب التفكك الاجتماعي المصري أيضا في تفاقم الإرهاب في المنطقة إلى حد كبير إن وقع الشعب ضحية اليأس الشديد وخضعت مناطق من البلاد خارج نطاق سيناء إلى حكم متطرفين عنيفين. ومن المحتمل أن تظهر موجة من اللاجئين وطالبي اللجوء على نطاق واسع. باختصار، يمكن تصور أسوأً السيناريوهات بمعقولية مقلقة، وهو سيناريو تساهم فيه مصر في زعزعة للاستقرار على نطاق واسع بدلا من أن تكون

مصد ًرا للقوة والاستقرار في العالم العربي.

اتخذت مصر والمملكة العربية السعودية، كجزء من علاقتهما التي تتأرجح بين التعاون والتنافس، زمام

المبادرة وحاولتا الدولتان، أن توطدا علاقاتهما العسكرية، ولكن لا يزال أي نوع من التكامل غير مرجح. إلا أن مصر والسعودية قد أصدرتا، في تموز/يوليو 2015، «إعلان القاهرة»67 الذي يرسم الخطوط العريضة لستة جوانب من التعاون بين الدولتين بما في ذلك توطيد العلاقات العسكرية ووضع خطط لتشكيل قيادة عسكرية مشتركة للدول العربية، الأمر الذي لا يزال مطرو ًحا على طاولة المفاوضات. شاركت القوات المصرية، في شهر شباط/ فبراير 68،2016 في المناورات العسكرية الهائلة والمتعددة الجنسيات التي ُعرفت «برعد الشمال» التي قادتها السعودية. وفي آب/أغسطس، قام رئيس الأركان المصري بزيارة رفيعة المستوى إلى المملكة العربية السعودية لتوطيد العلاقات العسكرية بين البلدين ولحضور الجلسة السابعة للجنة العسكرية السعودية

المصرية المشتركة.69

وفي شهر تشرين الثاني/نوفمبر، ناقش القادة المصريون والسعوديون والإماراتيون والكويتيون احتمالية

تشكيل قيادة مشتركةلمحاربة الإرهاب والنفوذالإيراني.

ولعل الرئيس المصري هو أول من طرح في السنوات الأخيرة، فكرة تشكيل قوة عربية عسكرية مشتركة أو قوة عسكرية لجامعة الدول العربية، ووافق وزراء خارجية الجامعة العربية في شهر آذار/مارس على تشكيل مثل هذه القيادة أو القوة المشتركة.72

وفي زيارة الملك سلمان في أبريل 2016، دعا إلى الحاجة إلى «قوة عربية عسكرية مشتركة».

كما أقامت مصر علاقات ثنائية عسكرية مع دول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، شملت السماح للطائرات المقاتلة الإماراتية أن تنتشر في قاعداتها الجوية وتشن غارات جوية ضد القوات الإسلامية في ليبيا في العام76.2014وفيآذار/مارس2014،نفذ الجيشان المصري والإماراتي أكبرمناورةعسكريةمشتركة لهما على الإطلاق،77 وتلتها مناورة ثانية، في كانون الأول/ديسمبر 78،2014 تضمنت استخدام الذخيرة الحّية.

قامت مصر والإمارات العربية المتحدة بثاني مناورة عسكرية وبحرية مشتركة لهما حتى تلك الساعة،80 وفي شهر حزيران/يونيو، أقامت الدولتان مباحثات رفيعة المستوى لتناول موضوع الشراكات

الاستراتيجية، بما في ذلك التعاون العسكري.81

باتت دول الخليج العربية ومصر تتمتع بمزيد من العلاقات المهمة غير الاستراتيجية التي من شأنها أن تعزز شراكاتهما. والجدير بالذكر أن هذه الدول تشهد، وبشكل ملحوظ، تباد ًلا بين العمال المغتربين والعمال المقيمين وغيرهم من المقيمين.

وأخيرا تعتبر مصر والدول الخليجية أن شراكتهما ضرورية، لأنهما ملتزمتان بالمحافظة على الوضع الإقليمي الراهن.

كما ينظر الطرفان إلى الولايات المتحدة على أنها الضامن الرئيسي لهذا النظام الإقليمي، ولسياقه الدولي بصورة أوسع، إلا أن ثمة علامات استفهام تطرح حول الغموض الذي يلتحف النهج السياسي الذي ستطبقه إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن، وما الذي ستضيفه هذه الإدارة على السياسة الأمريكية الخارجية التقليدية.

أمثال مصر ودول مجلس التعاون الخليجي إلى الاعتماد على ذاتها بشكل أكبر وإلى تعزيز التعاون في ما بينها

لتقليص اعتمادها على واشنطن، إذ باتت تعتبر أن هذه الأخيرة قد تكون غير جديرة بالثقة.

بقلم – أحمد حساني

المدير التنفيذي لمركز سعود زايد للدراسات البحثية والسياسية والاستراتيجية بالقاهرة.

التعليقات مغلقة.