Take a fresh look at your lifestyle.

محمد السطوحي يكتب: حوار مع إثيوبيين

72

منذ أشهر اتصل بى الصديق طارق سليمان رئيس النادى الثقافى المصرى فى نيويورك بشأن عدد من الناشطين الإثيوبيين فى واشنطن يريدون الحوار مع بعض المصريين حول مشكلة سد النهضة. لم أجد ضررًا فى ذلك خاصة أنهم نجحوا فى الوصول إلى بعض أعضاء الكونجرس من المجموعة ذات الأصول الإفريقية واستطاعوا إقناعهم بإصدار بيان يدعم الموقف الإثيوبى. بدأ التواصل بينى وبينهم ومجموعة من السودانيين فى منطقة العاصمة الأمريكية بالتليفون conference call ولمست جدية وتجاوبًا فى بعض الأمور فاتصلت بعدد من الأصدقاء للانضمام لهذا الحوار واستجاب اثنان منهم هما الناشط المصرى المعروف د. عادل كبيش وكذلك الأستاذ مختار كامل الرئيس السابق لتحالف المنظمات المصرية الأمريكية. كانت الحوارات ودية فى أغلبها لكن العبارات الهادئة لم تكن تخفى الفجوة الواضحة بين المجموعتين المصرية والإثيوبية، بينما كان موقف السودانيين لايميل بشكلٍ واضح لأى طرف.

 

بعد مناقشات مطولة اقترح الجانب الإثيوبى أن يصدر بيان عن المجموعات الثلاث يعبر عن موقف مشترك يشير لأهمية العلاقات التاريخية بين الدول الثلاث ويؤكد أنه لا تسوية للخلافات القائمة بينها إلا بالحوار والوسائل السلمية فقط.

 

لم يكن من الصعب تبين هدفهم من هذه الصياغة التى يودون بها الضغط على الطرف الآخر (المصرى)، بتصوير أن أى حديث عن استخدام القوة العسكرية مرفوض ليس فقط من قبل الإثيوبيين ولكن أيضًا من يمثلون الجالية المصرية الأمريكية، وهو مايمكنهم استخدامه فيما بعد فى اتصالاتهم مع مؤسسات أمريكية ووسائل الإعلام وغيرها، خاصةً فى فترة تصاعد فيها الحديث عن إمكانية اللجوء للقوة لحماية المصالح المصرية عند بدء عملية الملء الأولى.

 

لم تكن مجموعتنا ضد الحديث عن الوسائل السلمية عموما لكن دون الحجر على الوسائل الأخرى اذا اقتضى الأمر وطلبنا تعديلات فى صياغة البيان لتلبى ذلك الغرض، كما اشترطنا للقبول بذلك أيضا أن يتضمن البيان صراحة عدم اتخاذ أى دولة إجراءات أحادية، بما يجعل عملية الملء الإثيوبية دون التوصل إلى اتفاق مرفوضة حتى من الناشطين الإثيوبيين.

عند هذه النقطة وصلنا معهم إلى طريق مسدود وهو ماكنا نتوقعه منذ البداية لكننا أردنا أن نستكشف مساحة المناورة لديهم.

 

من خلال هذه الحوارات المطولة يمكننى القول إن عامل الضغط الأساسى وربما الوحيد على إثيوبيا هو التهديد باستخدام القوة، وهو مادفع هذه المجموعة للتواصل معنا منذ البداية. يمكننى القول أيضا إنه بدون هذا الضغط لن يكون هناك أى استعداد من جانبهم للتفاهم أو إبداء مرونة فى أى مفاوضات حقيقية لتسوية المشكلة. وقد ذكرت مرة فى أحد مقالاتى السابقة أن إمكانية استخدام القوة قد تكون الطريقة الوحيدة لتفادى اللجوء إليها، لأنها تجعل الطرف الآخر أكثر واقعية واستعدادًا لتلبية المطالب الأساسية من الجانب المصرى. هذا أيضا ماجعلنى غير مرتاح للغة الناعمة التى تمسكنا بها طويلًا فى مواجهة تعنت إثيوبى واضح ونوايا لم تعد خافية تجاه تهديد مصدر الحياة الوحيد لمصر.

 

للأسف هذا العنصر الوحيد للضغط فى طريقه للزوال قريبًا إذا سمحنا لهم بالملء الثانى دون اتفاق ملزم وواضح، حيث سيكون من المستحيل اللجوء إلى القوة لتدمير السد بعد ملئه وستكون الخيارات الأخرى أكثر صعوبة وتكلفة. لذلك فبمجرد بدء الملء الثانى سيتكشف لنا حجم ماتضمره أديس أبابا تجاه مصر فى مسلسل طويل لإخضاعها وسلب سيادتها ومكانتها وهو ماينبغى منع حدوثه بأن ثمن وبصرف النظر عن أى مواقف دولية، فهى مسألة بقاء و (ياروح مابعدك روح).

 

أقول ذلك مع بدء زيارة الرئيس السيسى للخرطوم وبعد زيارة رئيس الأركان أيضًا والتوقيع على اتفاق عسكرى، وتوافق واضح فى المواقف بين السودان ومصر.

 

هذه فرصة تاريخية. ليس الآن وقت الجدل بشأن اتفاقية الخرطوم وعيوبها ولا كيف سمحنا لهم بسد ضخم بهذا الحجم، ولا الخلاف حول أسباب اجتراء إثيوبيا على مصر بهذه الصورة غير المسبوقة ولا ما إذا كانت ثورة يناير مسئولة أم جلسة الحوار المذاعة لمرسى أم (حلفان أبى أحمد والله والله).

 

كل هذا الكلام لم يعد يفيد بينما تضيق نافذة الوقت المتاح لمصر لحسم هذا الموضوع.

أمامنا أقل من أربعة أشهر: إما اتفاق واضح محدد قانونى وملزم يحفظ الحقوق المصرية الثابتة، وإلا …..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.