Take a fresh look at your lifestyle.

معرض الكتاب.. عطيات أبو العينين ترصد الاغتراب في أدب يحيي حقي

معرض الكتاب.. عطيات أبو العينين ترصد الاغتراب في أدب يحيي حقي

131

كتب.. إيهاب مسعد

معرض الكتاب.. ترصد الكاتبة الدكتورة عطيات أبو العينين الاغتراب في أدب يحيي حقي، عبر كتابها الجديد المعنون بنفس العنوان السابق والصادر عن الهيئة العامة المصرية للكتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وتقول “أبو العينين” في مقدمة الكتاب، يمكن القول إنّ النص الروائي بتشكيلاته الخطابية، وما يطرحه من قضايا إشكالية يحمل دلالات كاشفة عن علاقات متشابكة ومعقدة في البُنى السوسيولوجية، حيث تتخلق الدلالة وتتشكل في ثنايا النص بفعل مؤثرات شتَّى يلعب فيها الموروث دورًا رئيسًا، تتبدى ملامحه وتتجلى منطلقاته في إطار الصراع بين العقل الواعي الرافض لكل ما هو غير عقلاني، والاحتياج لكلّ ما هو مفارق. وهو احتياج يغذّيه ذلك العدد الهائل من المعطيات الدينية، الممتزجة بالموروث الشعبي المفعم بالأسطورة، لتنتج في النهاية نمطًا من التدين الشعبي له سماته الفريدة والخاصة في الوقت نفسه.

معرض الكتاب

وأضافت، يُعدّ هذا النوع من التدين محصلة لتكيف تاريخي بنائي متبادل، بين الرسالة الدينية بما تحويه من عقائد وعبادات ومعاملات وطقوس من جهة، والهياكل والأبنية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية للمجتمع من جهة أخرى، وكانت محصلة هذا التكيف جملة من الظواهر الاجتماعية البشرية المتغيرة، حيث نكون في هذا النمط من التدين بصدد الدين كما يعاش وكما يمارسه الناس في حياتهم اليومية، فهو تدين يصدر عن الظروف الحياتية التي يوجد فيها الأفراد والجماعات.

وتابعت، هو تدين مفعم بنوع من البُنى الأسطورية، وتنطلق سيادة الأسطورة من خلال علاقتها الحميمة بالذاكرة الاجتماعية، حيث احتفظ الإنسان بتلك المعارف القديمة جدًّا، متضمنة بشكل ما في لا شعوره، حيث تعمل الأسطورة في المستوى الأعلى من الرغبة الإنسانية، ويمثل اتصال الكينونة الإنسانية بالفعل الأسطوري إشارة بليغة إلى الطبقة الأعمق من موروثات الذاكرة الاجتماعية، وتتجلى الكينونة دائمًا عبر الفعل في الزمان والمكان، وتتجلى هويّة الفعل في الرغبات الدفينة التي تدفع به إلى الظهور، بحيث يمكن القول إنّ مشهد الفاعلية المتبادلة بين الأنا وذاتها وبين الأنا والآخر هو مشهد الكينونة.

ويمثل التدين الشعبي ذلك النمط القريب من قلوب الناس، حيث لا يحمل هذا النوع من الإلزام الذي يحمله التدين الأصولي، فهو تدين يغرق في الروحانيات، ويؤمن بالخوارق والأساطير، ويهتم برصد العلامات والرموز، كلّ هذا دفع يحيى حقي إلى اعتماد هذا النوع من التدين رمزًا للروحانيات والإيمان في مواجهة الماديّة بشتَّى تجلياتها.

وأكدت أن رواية “قنديل أم هاشم” تمثل نوعًا من التماهي بين رؤية فكرية تتبلور في واقع متغير، وسياق درامي تتجاذب أبطاله صراعات شتى، تصل ذروتها مع شخصية إسماعيل بطل الرواية، ذلك الشاب الذي نشأ في بيئة شعبية (حي السيدة زينب)، وأصر أبوه على إرساله إلى أوروبا لدراسة الطب، فيسافر إسماعيل محمّلًا بتراث الشرق وعاداته، ومتأثرًا بحياته البسيطة التي لم تكن تخرج عن الحي والميدان، أقصى نزهته أن يخرج إلى النيل ليسير بجانب النهر أو يقف على الكوبري، وفي محيط يعيش أجواء الأساطير، ويحلق في فضاءات عوالم مفارقة من الروحانيات، حيث يؤمن الناس بالخرافة، ويجاورون أرواح الأولياء، ويستأنسون بها، ففي “ليلة الحضرة يجيء سيدنا الحسين والإمام الشافعي يحفّون بالسيدة فاطمة النبوية والسيدة عائشة.

وهي كما يبدو صورة تشبيهية شديدة الأهمية، تتمدّد هذه الصورة، لتأتي بشخوص العالم المفارق إلى حيث العالم الأرضي، فتمنح القداسة لزيت القنديل، وهي قداسة يغدو الإيمان بها ملزمًا للجميع، في نسق إيماني يخضع لمنطق التماثل وظروف الواقع ومشروطياته، بعيدًا عن حاكمية النصوص.

سافر إسماعيل إلى لندن تصاحبه وصايا الأب بالتمسك بفروض دينه وعدم الانجراف خلف المغريات: “وصيتي لك أن تعيش في بلاد برّة كما عشت هنا، حريصًا على دينك وفرائضه، وتبدو العلاقة هنا بين المفردات ومدلولاتها علاقة سببية، فالالتزام شريطة التفوق من وجهة نظر الأب الذي يمثل الشرق بتعاليمه وأنساقه الإيمانية الروحانية.

في لندن تصطدم مكونات التسامي الإيماني الظاهري لدى إسماعيل بحضارة الغرب المبهرة، ليفاجأ بعالم آخر تتجلى فيه مظاهر الحضارة الحديثة بكل منجزاتها وماديتها، وينجرف في حب ماري التي ترمز هنا إلى حضارة الغرب، ماري الجميلة فائقة الحسن تجرفه بعيدًا عن ثوابته الإيمانية، “فآثرته واحتضنته، عندما وهبته نفسها كانت هي التي فضّت براءته العذراء”. فينطلق معها لينهل من رحيق الهوى بلا قيود، ينسلخ إسماعيل من شرقيته رويدًا رويدًا، لكن مع مرور الوقت تتأجج شحنة الصراع الداخلي بفعل التناقضات الحادَّة، بين روحه اليَقِظة وواقعه المادي، هنا ينشأ مجال حيوي واسع من التوتر بفعل ماري، حيث “كانت روحه تتأوه وتتلوى تحت ضربات معولها. كان يشعر بكلامها كالسكين يقطع من روابط حيّة يتغذى منها… واستيقظ ذات يوم فإذا روحه خراب لم يبق فيها حجر على حجر، بدا له الدين خرافة لم تخترع إلا لحكم الجماهير.

التعليقات مغلقة.