ناصر عراق منذ نوفمبر 1984 حين كنت مجندًا في الجيش بالإسماعيلية، وأنا أضع فوق عيني نظارة طبية، ولا أنزعها إلا عند النوم، فقد ورثت ضعف النظر من والديّ ومن أشقائي الكبار، فكلنا لا نتحرك بدون النظارات، حتى شقيقي الأصغر مني المرحوم صلاح، نال الإعفاء من التجنيد عام 1986 نظرًا لعطب في عينيه.
لقد استهلكنا جميعًا أعيننا في القراءة، فأعضاء أسرتي أبي وأمي وأشقائي الخمسة الكبار من أولئك الذين أدركتهم حرفة القراءة بشكل يومي تقريبًا، وقد أكرمتني المقادير بنعمتين إضافيتين هما الرسم والكتابة، فتضاعف استهلاكي من نور العينين، فأنا أرسم يوميًا منذ سن الرابعة، وأكتب يوميًا منذ التحاقي بالمدرسة الإعدادية، يعني أكثر من نصف قرن تبدد على أجمل الأشياء: القراءة والرسم والكتابة، دعنا الآن من مشاهدة الأفلام والمسرحيات ونشرات الأخبار وبرامج عالم الحيوان، والأخيرة لا يمر يوم منذ عشرين سنة دون التزود بما تيسر منها يوميًا، وكلها يسحب من رصيد النظر الكثير.
المزيد من المشاركات
هكذا إذن صارت النظارة جزءًا من جسمي لا ينفصل عني مثل يدي وأناملي وأنفي، فلا أتعرف على ملامحي إلا والنظارة تتصدر وجهي، وأذكر أن أول نظارة اقتنيتها كلفتني 90 جنيهًا عام 1984، وأذكر أيضًا أنني فقدت ثلاث نظارات في مشواري الطويل مع الحياة: الأولى تهشمت عندما داس عليها صديق وأنا نائم وهي بجواري في الخيمة في أثناء تأدية الخدمة العسكرية، والثانية أضاعتها ابنتي هديل ذات العامين آنذاك، حيث كنت أحملها، قبل عشرين سنة، لنشاهد الأسماك تمرح في بحيرة الشارقة، وبسرعة البرق نزعت هديل النظارة عن عينيّ وقذفتها في البحيرة لتغرق هي في الضحك وأصاب أنا بالذعر، إذ كيف سأقود سيارتي وأعود بدون نظارة، وهكذا قطعت المسافة من البحيرة حتى البيت، وهي لا تزيد عن كيلو متر واحد، قطعتها في ثلث ساعة رغم فراغ الطريق من السيارات تقريبًا! أما المرة الثالثة، فقد نسيت النظارة في تاكسي عند باب اللوق بوسط القاهرة قبل عشرة أعوام، إذ كنت أضع على عيني نظارة شمس طبية!.
وأمس… أصر ابني الأصغر باسم، 16 عامًا، على التقاط صورة لي بدون نظارة، وأمسك الموبايل ومضى يحرّك رأسي ذات اليمين وذات الشمال، ويقف وينحني ويميل ويبتعد ويقترب، وكلما التقط صورة قرر أنها لا تصلح، حتى استقر على هذه الصورة المنشورة، وقد طلب مني أن أضعها هنا في صفحتي، فتأملت قسماتي هكذا وهي عارية، فتذكرت حكايتي مع النظارات!.
التعليقات مغلقة.