Take a fresh look at your lifestyle.

صالح المسعودي يكتب.. بين القلب والأطراف

87

لا أتذكر على وجه التحديد سبب بداية نقاشي مع صديقي ( الوطني جدا ) كما وصف نفسه لأنني اكتشفت بعد هذا الحوار أن الوطنية درجات ولها في المقابل ( دركات ) وهي ألقاب عديمي الوطنية من وجهة نظر صديقي العبقري ، فحواري معه لفت انتباهي لأمور كثيرة كانت من وجهة نظري تفاهات حتى جعلها لي صديقي في مقدمة أولوياتي لأنني أيقنت بالفعل أن هناك مثل صديقي الكثير ممن منحوا أنفسهم لواء الوطنية وحصلوا على أوسمة وشهادات دكتوراه مثل تلك التي تُمنح في ( بئر السلم ) كما يصفها البعض 

صديقي لم يكتف بمنح نفسه شهادة الوطنية العليا بل أنه خاض كما خاض من قبله الكثير في منحها لمن يشاء وحجبها عمن يريد ولم لا ؟ فقد أصبحت الوطنية سلعة تُنمح وتُمنع تماماً كما تم استخدام الدين وبنفس الطريقة العقيمة فأصبح الناس من وجهة نظر بعض ( المرضى ) إما فاسقاً أو كافراً أو مسلماً درجة أولى، ولا تتعجب صديقي القارئ المحترم فهذا ما حدث بالفعل وكأننا ابتلينا بمن وصفتهم من قبل ( بملاك الدين وملاك الوطنية )

وأعود بك عزيزي القارئ لحوار صديقي ( الوطني ) فقد صور الرجل نفسه على أنه من قلب الوطن ( وهو يقصد هنا جغرافياً ) أي أنه يقصد القاهرة والمحافظات القريبة منها ووصف الرجل بيئته التي نشأ فيها بأنها كانت ومازالت نبع للوطنية يغترف منها الكبير والصغير وإلى هذا الحد لا أعتب عليه فكلنا هذا الرجل وكل منا لابد أن يجد في نفسه أنه الأكثر وطنية وأن بيئته التي نشأ فيها هي أجمل البلاد ( فكل ديرة عند أهلها شام ) كما يقال في الأمثال

ولكن وما أدراك ما لكن ؟ التي تفيد نفي ما تقدم إثباته أو إثبات ما تقدم نفيه ) فالرجل تعدى الخطوط الحمراء عندما بدأ يخرج عن طوره الوطني ليكيل الاتهامات للغير ويقول حرفياً ( يا صديقي يجب أن تقتنع أن الوطنية مترسخة في القلب ( أي في المحافظات الداخلية ) أكثر من الأطراف ويقصد هنا المحافظات الحدودية وهنا فقط كان عليَ أن أتحدث مع صديقي حتى لا يتمادى في المزايدة بحال من الأحوال

قلت له لابد يا صديقي أن نطبق سوياً أدب الحوار فكما استمعت إليك منتبهاً ومنصتا وجب عليك أن تستمع لي، قلت له ( صديقي العزيز سأحادثك في شقين، أولهما أنت محق فيه ألا وهو أنك تعتز بوطنيتك وتفتخر بها، بل ومن حقك أن تعتبر نفسك الوطني الوحيد في العالم وهذا أيضاً حقك ، ولكن يا صديقي على رسلك حتى ندخل في الشق الآخر وأبدأه بسؤال مهم أقول فيه بما أنك رجل وطني جدا هل درست تاريخ وطنك وجغرافيته القديمة والحديثة ؟

هل قرأت في كتب التاريخ التي تمتد آلاف السنين أن وطنك كان من منابع النيل إلى أقاصي الشام ؟ أم أن تاريخك يقتصر على ( المنوفية والقاهرة ) فإن كنت كذلك فاسمح لي أهاجمك وأقول لك ( عندما كنا نحكم من الجنوب إلى الشرق والشمال كانت تلك المحافظات الحدودية التي ذكرتها هي القلب وهنا من حقي أتهمك أن ضعفك أيها القلب هو الذي تسبب بانحسار رقعة الوطن فأصبحت أنا الأطراف وأنت القلب

يا صديقي العزيز كل شخص منا يمتلك ما لا يمتلكه غيره فقد خلقنا الله بتفرد عجيب وكل منا يحمل خصائص جينية محددة ( أي أن كل واحد منا يرى الوطنية بالشكل الذي يناسب مخيلته ) ولكن لابد أن نعترف أن أهل مصر جميعاً يعشقون ترابها وينفضون خلافاتهم عندما تتعرض لخطورة والأمثلة على ذلك كثيرة ولا داع لذكرها، أما الآن فمن حقي أن أزايد عليك بعدما أضحدت حجتك وأقول لك بأن من يعيش في المحافظات الحدودية هم الأكثر وطنية فقد تحملوا حماية الثغور وتعرضوا لويلات الحروب في الوقت الذي لم يتساووا معك في الحقوق بعدما فزت بنصيب الأسد بالمرافق والحياة الكريمة في الوقت الذي تتذكر الدولة الآن وبعد هذا الدهر أن تدخل لنا الحياة الكريمة ولولا توجيهات الرئيس ما دخلت وكنا سنبقى مهمشين ولكننا كنا سنبقى على العهد ننبض بالوطنية لأننا كنا في قلب المعركة ومازلنا نتمسك بترابها

ثم أني تذكرت كلمة أخيرة قلت له فيها ( ألا ترى يا صديقي أننا نتحدث في ملهاة صنعت خصيصاً لنا، فلم يكتف الاستعمار الذي جثم على صدورنا سنوات وسنوات نهب فيها الخيرات وأخَر فيها تقدمنا حتى إذا أراد أن يخرج من بلادنا قام بتقسيمها لدويلات وممالك حتى يتسنى له مداومة السيطرة علينا وتأليب بعضنا على بعض وزرع فِتنهُ التي من خلالها يمكنه أن يجعلنا تحت سيطرته بشكل أو بآخر )

يا صديقي لقد كانت هذه الأمة أمة واحدة تحكم من الصين إلى الأندلس حتى إذا أرادوا ألا تقوم لنا قائمة جعلونا إربا وأصبح تنقلك في وطنك الكبير عبر ( جواز سفر ) تُعامل من خلاله على أنك أجنبي، يا صديقي ما دار بيني وبينك من حوار حول القلب والأطراف ما هو إلا مسلسل لتقسيمنا من الداخل فلا تعد لمثل ما قلت فإننا نبحث عن التحرر من ( سايكس بيكو ) الذي كان أحد صور شتات هذا الوطن العربي الكبير فهل نجلبه لوطننا؟.

التعليقات مغلقة.