Take a fresh look at your lifestyle.

صالح المسعودي يكتب : أسير المعروف

82

ما أجمل تلك الكلمة وابلغها، وما أحوجنا إليها ولمعانيها العظيمة ، أكاد لا اصدق نفسي وأنا ابحث في مفهومها ودلالتها، فقد بدأت أتفحصها بعدما سمعت قولهم ( هنيالك يا فاعل الخير ) ما أجمل تلك الكلمات واشملها!.

 

أخذت تلك الكلمات وذهبت إلى والدي، ذاك الشيخ الكبير الذي تجاوز منتصف العقد الثامن من العمر أي انه عاصر الشيء الكثير من التاريخ القريب. فوجدته يختم صلاته وهو يدعوا لبعض الأشخاص بالمغفرة والجنة بل ويقرأ ما تيسر من القرآن ويهدي ثوابها لهم.

 

فبادرته بسؤالي . من هؤلاء الأشخاص الذين تدعوا لهم في صلاتك يا والدي العزيز؟ فيجيب بصفاء سريرة . هم بعض أصدقائي كان بيني وبينهم ( معروف كبير ) فقلت له. يا والدي لقد مات أصدقاءك ونسيهم أولادهم وأحفادهم وأنت مازلت تذكرهم. فيقول لي يا ولدي المعروف أصبح عملة نادرة ولا يقدر المعروف إلا أهل المعروف وأتمنى على الله يا ولدي أن تكون وذريتك من أهل المعروف.

 

فأقول له . هل من المعقول أن تظل ( أسير المعروف ) كل تلك السنوات ؟ فيقول شرف لي يا ولدي أن احتفظ بالمعروف لأني أعرف قيمته ، أم أنك تريد من والدك أن يساير العصر ليكون إنسان عصري ( كما يقولون ) ففي هذا العصر الحديث الذي تتشدقون بتقدمه كادت مبادئنا أن تندثر ولم يعد يتذكر أحد قيمة ( العيش والملح ) أو قيمة المعروف ( إلا من رحم ربي ).

 

فأقول لوالدي ألهذه الدرجة المعروف شيء مهم ؟ فيقول وكيف لا ؟ وقد أمرنا به ديننا الحنيف الم تقرأ الحديث الذي يُروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن صح عنه ) (( صنائع المعروف تقي مصارع السوء )) أي أن صناعتك للمعروف تجعل عليك حماية من رب العالمين ، وهل نسيت يا ولدي ذاك القول المأثور العظيم الذي يقول ( اصنع المعروف في أهله وفي غير أهله . فإن صادف أهله فهم أهله وإن لم يصادف أهله فأنت أهله ).

 

تركت والدي ليكمل تسبيحه وورده ، وجلست أحادث نفسي . هل نستطيع أن نعيد ذاك الزمن الجميل الذي يقدر فيه الناس معنى وقيمة المعروف ؟ ولماذا نتخلى عن ثوابتنا العظيمة التي توارثناها وكانت جزء من التاريخ الإنساني العظيم لأهل مصر المحروسة ؟، هل الخطأ أصبح فينا وفي طريقة تربيتنا لأجيالنا المتعاقبة ؟ حيث أهملنا ربط حاضرنا بماضينا المشرف.

 

أم أن دوامات الحياة وظروف المعيشة كان لها دور فاعل فيما وصلنا إليه الآن من نسيان أو تناسي ثوابتنا الجميلة التي تكاد تندثر من حياتنا ؟.

 

عزيزي القارئ المحترم نحن لا نحتاج لثورات أخرى لتغيير الأنظمة بقدر احتياجنا لثورة على أنفسنا وتصرفاتنا. نحتاج من تلك الثورة أن تعيدنا إلى قيمنا النبيلة وسلوكياتنا الجميلة من تقدير للمعروف، والمروءة، وأشياء كثيرة فقدناها وافتقدناها في خضم أمواج الحياة المتلاحقة. فهل نستطيع تغيير أنفسنا؟.

التعليقات مغلقة.