الدكتور محمود محيي الدين يكتب : عن عميد العمداء وكتابه العمدة
في حوار منذ يومين في واشنطن مع جمع من الاقتصاديين عن مستقبل النقود و أنواعها، شهد الموضوع جدلاً مطولاً ثم انتهى إلى إعدادي لمقال أناقش فيه الموضوع، فتذكرت محاضرات أستاذي الجليل الدكتور محمد زكي شافعي، في النقود و البنوك.
و في العام القادم يكون قد مر على مولده 100 عام رحمه الله، و قد تخرج في كلية الحقوق في عام 1942 وحصل على الدكتوراه في عام 1950 من جامعة برنستون الأمريكية، وفي عام 1959 أسس كلية الاقتصاد و العلوم السياسية مع جمع من الأساتذة النابهين ذوي الهمة، على غرار مدرسة لندن للاقتصاد، و كان أول عميد لها و لم يتجاوز عمره 40 عاماً.
أما عن وصف كتابه بالعمدة، ففي معاجم اللغة العمدة هو ما يعتمد عليه و الكلام العمدة هو ما لا يصح حذفه، و هو ما ينطبق على هذا الكتاب. و قد ألف أستاذنا الجليل كتابه المرجعي في النقود و البنوك منذ سبعين عاماً و جعل عنوانه تواضعاً بأنه مقدمة.
و ما زلت تجد فيه ما يغنيك خاصة فيما يتعلق بالمبادئ و الأسس كالنقود ووظائفها و تطور الوساطة المالية، و الاحتكام لقواعد الإصدار النقدي، ورصد بعض القضايا التاريخية كموضوع الأرصدة الاسترلينية المستحقة لمصر بعد الحرب العالمية الثانية.
ومن هذا الكتاب نعلم كيف تطورت النقود بديلاً للمقايضة و تغيرت أشكالها مع تقدم الاقتصاد و التكنولوجيا السائدة، فاستخدمت المجتمعات نقوداً سلعية كأوزان من الحبوب و تشكيلات من الأصداف و وحدات المعادن النفيسة، ثم صكت العملات من الذهب و الفضة و البرونز. و عرف العالم عملات دولية كان أشهرها عملة الفلورين الذهبية في القرن الثالث عشر، و في ذات القرن نقل الرحالة ماركو بولو ما رآه في الصين من عملات ورقية، و التي اتخذت في الانتشار في أوروبا في القرنين السابع عشر و الثامن عشر و كانت أولى مطابعها بالسويد.
كما ظهر الشيك كوسيلة للمدفوعات في أوروبا في القرن الخامس عشر و هي كلمة محورة من أصل الكلمة العربي- صك الذي شاع استخدامه في القرن الحادي عشر في البصرة بالعراق. و في الربع الأخير من القرن التاسع عشر تطورت تكنولوجيا تحويل الأموال عبر الحدود من خلال خطوط التلغراف.
و نعلم اليوم كيف ظهرت بطاقات الائتمان منذ منتصف الاربعينيات و ما أدي إليه تطوير الانترنت من نشوء المدفوعات الرقمية و بداية انتشار التحويلات الالكترونية في النصف الأخير من التسعينيات، و التي ما زالت تسيطر على نظم الدفع المحلية و الدولية حتى اليوم.
أما الغد فستحكمه وثبات في الابتكار المالي و تكنولوجيا المعلومات و استعرض ثلاثة بدائل تتراوح بين الأصول المشفرة مثل “البيتكوين #bitcoin و العملات المسماة بالمستقرة مثل “تيثير #Tether“، و العملات الرقمية للبنوك المركزية #cbdc.
و يظل الحكم على النقود بغض النظر عن شكلها الابتكاري مستنداً إلى مدى قدرتها على القيام بوظائفها الثلاثة مجتمعة على النحو الذي شرحه باقتدار د. زكي شافعي كوحدة للحساب و مخزن مضمون للقيمة و وسيط مقبول للتبادل. و عليه فإن المستقبل للعملات الرقمية التي ستصدرها البنوك المركزية، أما السؤال عن أي من هذه العملات الرقمية ستكون له الريادة الدولية؟ فهذا ما أناقشه في المقال المشار إليه و سأتيحه فور صدوره بمشيئة الله.
- مقال للدكتور محمود محيي الدين المدير التنفيذي بصندوق النقد الدولي والمبعوث الخاص للأمم المتحدة للتنمية المستدامة
التعليقات مغلقة.