صالح المسعودي يكتب : الإعلام والغزو الفكري
مما لا شك فيه أن للإعلام دور فاعل في المجتمع لاسيما بعد مصطلح السماوات المفتوحة وصعوبة حجب الكلمة على مستوى العالم فقد تحول العالم لقرية صغيرة كما تحول الإعلام لسلعة رهيبة لها مفعول السحر ، فبعض الدول أصبحت تتاجر فقط بالإعلام الموجه للسيطرة على دول بأكملها من خلال توجيه الرأي العام فيها بل وشبه التحكم في مستقبلها السياسي وقد يصل الأمر إلى إذكاء روح الثورة ومن ثم نزع الكراسي والملك من الحكام عن طريق تأليب الرأي العام.
فدور الإعلام أصبح أكثر خطورة من ذي قبل وخاصة كما أسلفنا بعدم وجود سقف لحجب المعلومة ، أو عدم استطاعة ذلك بسبب التطور الرهيب في مجال تكنولوجيا المعلومات الاتصالات ، وجميعنا يشاهد وعلى سبيل المثال دور( اللوبي الصهيوني ) في بلد كبير مثل ( الولايات المتحدة الأمريكية ) فمن الشيء المعلوم للعامة قبل الخاصة سيطرة الإعلام على توجهات صاحب القرار وذلك بامتلاك هذا ( اللوبي ) معظم دور الصحافة والإعلام مما كان له الدور الفاعل في السيطرة على توجهات الرأي العام فأصبح يتحكم في سياسة أكبر دولة في العالم ولا ننسى قول الله في اليهود ( وجعلناكم أكثر نفيرا ) والنفير هو البوق الذي كان من خلاله إعلام الناس
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هل انتبهنا في مصر وفي عالمنا العربي لهذا الدور الخطير للإعلام ؟ لا أعتقد ولأسباب كثيرة منها أن معظم دولنا العربية أصبحت وبلغة النحو ( مفعول به ) وليست فاعل ، فدور إعلامنا للأسف هو موقف المدافع فقط ، بالتأكيد بخلاف دولة واحدة أصبحت تتحكم في أمور كثيرة حتى لو اعتمدت على الأكاذيب فكلامي هنا ليس للتصدي لقناة بعينها بل لشرح الفكرة عامة وخطورتها ، فقد أصبح الإعلام المحلي لا يساير الإعلام العالمي وتحول لأكاذيب بشعة جعلت المشاهد يهرع لسماع قنوات خارجية حتى لو كانت موجهة لفكره وضد مصلحة وطنه العليا
قد يكون مبادئ الشفافية والمكاشفة والمصارحة غير موجودة للأسف في معظم قنوات إعلامنا العربي مما يعطي القنوات الأخرى فرصة الاختراق حتى لو وضعت السم في العسل وفعلت تماما كما كان يفعل السحرة قبل أن يجعل الله لهم ( شهاباً رصدا ) بحيث أن الساحر كان يأتي بمعلومة صادقة يقنع بها الشخص ثم يتبعها بعدد وافر من المعلومات الكاذبة ، ولكن للأسف فإن هذا الشخص قد أقتنع بالكذب لأنه وجد بعض الصدق من ذلك الساحر وهذا في رأيي ما يدور الآن على الساحة الإعلامية في بلداننا العربية ، وما ينطبق على القنوات الفضائية ينطبق بالطبع على كل وسائل الإعلام الأخرى المسموعة والمقروءة
حتى عندما يأخذ أحدهم نصيب من الحرية الإعلامية يتركز تفكيره للأسف على الشو الإعلامي الذي يجلب له الشهرة والمال فهو كما نعلم يعتمد على نسبة الإعلانات التي تنهال على القناة التي يعمل بها مما يجلب له الملايين سنوياً وهو في هذه الحالة للأسف الشديد يتحول للتفكير المادي حتى لو خالف ما يفعله كل قيود العادات والتقاليد والدين أحياناً ، فلم يكتفي بعضهم بنشر الرذيلة والدعوة لها ( كشو إعلامي ) مقيت بل تحول البعض للخوض في الدين وازدراء الأديان بحثاً عن الظهور الإعلامي الذي يجلب له الشهرة والمال ، فقد حول البعض الإعلام إلى ( سبوبه ) مربحة فقط
لم ينتبه معظم الناس للدور الخطير الذي يمثله الإعلام في بناء المجتمع وها نحن وعلى سبيل المثال نحصد إلى يومنا هذا ما صنعته مسرحية ( مدرسة المشاغبين ) على العملية التعليمية في مصر بل وفي الوطن العربي فمن أجل إضحاك الجمهور أو الشهرة ومن ثم المال ضاعت أجيال عندما تجرأ التلميذ على أستاذه الذي كان يجله ويقدره كوالد بل ويحاول الاختفاء من أمامه في الطريق العام ، فقد كانت الاستهانة في وقتها بضحكات المسرحية نذير شؤم على العملية التربوية وأشبه الاستهانة بها لما حدث لسد مأرب عندما تسبب فأر في رحيل العرب من اليمن لأنه تسبب في انهيار السد وهو حيوان بسيط وفي نظر البعض ضعيف
قد يهاجمني البعض بأنني شخص رجعي ولا أقدر الفن ولا حرية الكلمة ولكنني كنت ومازلت مهموماً بهموم وطني وعالمي العربي الذي تحول لمتلق لأردأ بضاعة ويتم توجيهه دون وعي منه فأمية الوعي والفكر أخطر على الأمة من أمية القراءة والكتابة ، فتشكيل وعي الأمة من خلال التوجيه الخارجي من أهم الحروب الحديثة عندما يتم غزو عقلك من خلال أساليب ناعمة بدون معارك حربية يُقتل فيها الجنود
كم كنت ومازلت أحلم بأن يكون هناك نهضة إعلامية ننافس بها العالم بمصداقية وشفافية عالية تهتم أولاً ببناء وجدان الأمة وإظهار أجمل ما فيها فلدينا الخير الكثير من القيم والمفاهيم الجميلة التي تحتاج إلى نفض الغبار عنها ، حتى لو فقدنا الأمل في الجيل الحالي الذي تعرض لغزو فكري نحتاج ألآن أن نسابق الزمن لحماية الأجيال القادمة من خلال منهج إعلامي صادق يضاهي ذلك الإعلام الموجه ليس لأن كل ما يرد إلينا سيء لأنني لا أؤمن بنظرية المؤامرة بل من حق الجيل الجديد أن يستفيد من كل ما هو جديد ومفيد للإنسانية عامة ولكني أريد أن أحافظ على هويته وأخلاقياته ودينه لأنهم لا يتنافوا بالقطع مع كل ما هو جديد ومفيد بل يجب أن تتحول تلك الأخلاقيات والدين والفكر الراقي المتحضر لحائط صد يقوم على حجب الغزو الفكري والثقافي حتى لا يتحول هذا الجيل إلى دمية يحركونها وقتما شاءوا ، أو فئران تجارب لتلك الثقافات الغريبة
التعليقات مغلقة.