صالح المسعودي يكتب : فتاوي القهاوي
قد يستهجن البعض ويعيب على مجرد طرح العنوان فمن وجهة نظره المحترمة فان ( القهاوي ) أو المقاهي ليست بالمكان المناسب للفتوى من أي نوع، وقد يعتبرها البعض ظاهرة صحية ودليل واضح على ارتفاع وعي المواطن المصري وانه ترك حياة السلبية ( واقصد بذلك المواطن البسيط ) إلى المشاركة الفعالة في الحياة العامة من خلال إبداء رأيه والتفكير بصوت مسموع.
وما بين الرأيين نحاول جاهدين استبيان أسباب تحول الكثير وليس البعض إلى الإفتاء في كل شيء فهناك الفقيه الدستوري والفقيه الديني والفقيه الأمني والاقتصادي وفي غالب الأحيان يجمع شخص واحد فقط كل تلك الكوكبة من الفقهاء في شخصية واحدة فتجده متحدثا في كل ما سبق ويتقمص دور الجميع.
فما تكاد تجلس على احد المقاهي خاصة والأماكن العامة ووسائل المواصلات عامة إلا وتجد الجهابذة في كل فرع من فروع الفقه فمنهم من يستطيع أن يحل معظم مشاكل البلد في ( وصلة ) من محطة إلى أخرى
ففي الماضي القريب كنا نجد مثلا من تكرم وأطال لحيته لمدة شهرين وقرأ كتاب أو أكثر من كتب الفقه وإذا به يقارع علماء الأمة ( الراسخون في العلم ) وبسبب فهم القشور والتسرع في الإفتاء دون الإبحار في علوم الدين ظهرت الأفكار المنحرفة والغريبة عن النهج الوسطي للإسلام الحنيف
أما فقهاء الدستور فحدث ولا حرج فقد كانت مصر في الفترة السابقة مرتع خصب لكل من تابع تحليل إخباري آو شاهد مجرد رأي دستوري فإذا به يتقمص دور ( كبار فقهاء الدستور ) ، فتجده يجادل في دستورية القوانين بل ويحاول مناظرتها بالدساتير في دول أخرى متقدمة
وإذا صادفك الحظ السعيد وأردت أن تتحدث عن التنمية في مصر وأهميتها في الفترة القادمة تقمص احدهم الدكتور ( فاروق البار ) العالم المحترم ليشرح لك ممر التنمية وما له وما عليه
بالتأكيد عزيزي القارئ المحترم إنا لست ضد حق كل شخص في التعبير عن رأيه بكل حرية فهذا حق أصيل للجميع بعد أن ضرب هذا الشعب المثل للعالم اجمع انه صانع الحرية من خلال ثورتين مجيدتين أبهرتا العالم.
ولكني أريد أن الفت انتباهك عزيزي القارئ أن مجرد الإفتاء في كل شيء لا يكفي لبناء وطن نهض بعد مخاض كاد يودي بحياته.
ولن يغضبني أبدا أن يفتي البعض ولكن بشروط أهمها أن يكون على علم بالأمر الذي يفتي فيه وليس صائد للمعلومات من هنا وهناك في الوقت الذي قد تكون معلوماته مغلوطة فيترتب عليها ضررا قد لا يستطيع هذا الشخص أو غيره دفعه؛ كما يجب على من يحاول الإفتاء بسهولة حل المشكلات أن يبادر هو بالتطبيق على نفسه ويبدأ هو بذلك ليكون ( إمام ) للحل الذي يبتغيه وليس مجرد ( حامل أسفار ).
إذن علينا جميعا أن نحاول أن نعمل فيما نجيد كما يجب علينا أيضا أن نتحدث فيما نعلم فقط لان الجلوس على المقاهي ( القهاوي ) ووسائل المواصلات وبث الفتاوى الجاهلة والمحرفة أو حتى الصحيحة ولكن بدون تنفيذ على الطبيعة كل ذلك لن يفيد في بناء مصر في شيء وستبقى تندرج تحت مسمى ( فتاوي القهاوي ).
التعليقات مغلقة.