الشيخ حسام مخلوف يكتب: الأعمال الصّالحة فى العشر من ذي الحجة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم …
• فعلى قدر هذه الأيّـام وشرفِها لا بد أن يكون المسلم على قدرها من الاهتمام والتصرّف، ولقد تفضّل نبينا بالتأكيد على أهمية العمل الصالح فيها.
والدليل على ذلك ما ثبت عند البخاري مرفوعًا: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ» يَعْنِي أَيَّامَ الْعَشْرِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ».
• وحتى لا يقل أحد أنا محروم من زيارة بيت الله الحرام، فقد جعل الله الأيام العشر فرصة لغير الحجّاج أن يتعبّدوا ويتقربوا إلى الله تعالى.
يقول ابن رجب الحنبلي: «لما كان الله سبحانه قد وضع في نفوس عباده المؤمنين حنينًا إلى مشاهدة بيته الحرام، وليس كل أحد قادرًا على مشاهدته كل عام، فرض على المستطيع الحج مرة واحدة في عمره، وجعل موسم العشر مشتركًا بين السائرين والقاعدين».
• ومن بين هذه الأعمال ما يأتي:-
أولا: إعلان التوبة النصوح بين يدي الله تعالى في هذه الأيام:-
فإذا كانت التوبة مطلوبة في كل يوم وليلة؛ لا سيّما وأنّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيئ الليل، فإن التوبة مطلوبة بالأحْرَى في هذه الأيام الكريمات المبارَكات، فمما يتأكد في هذا العشر التوبة إلى الله تعالى والإقلاع عن المعاصي وجميع الذنوب.
• والتوبة هي الرجوع إلى الله تعالى وترك ما يكرهه الله ظاهراً وباطناً ندماً على ما مضى، وتركا في الحال، وعزماً على ألا يعود والاستقامة على الحقّ بفعل ما يحبّه الله تعالى.
• والواجب على المسلم إذا تلبس بمعصية أن يبادر إلى التوبة حالاً بدون تمهل لأنه لا يدري في أي لحظة يموت، ولأنّ السيئات تجر أخواتها.
يقول الله تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ النور : 31
ثانيًا: الصوم:-
وفيه حديث حفصة بنت عمر رضي الله عنها في مسند الإمام أحمد قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع صيام عاشوراء وعشر ذي الحجة وثلاثة أيام من كل شهر).
• لا سيّما صيام يوم عرفة؛ لأنّ يوم عرفة يوم يعتق الله فيه رقابًا من النّار، وهو يوم دعاء ولجوء ومغفرة من الرحيم الرحمن، يوم يدنو الله فيه من عباده، يوم يباهي فيه الله بعباده، فاستنقذ نفسك فيه! قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنْ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمْ الْمَلَائِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ».
• وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ».
• وفي الحديث الصحيح كما عند البخاري: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَاعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».
ثالثًا: الذكر والتكبير والتهليل والتحميد:-
يقول الله تعالى: «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ»،
• وفي الحديث -كما عند الإمام أحمد في مسنده، والحديث صحيح، وفيه -يقول النبي الحبيب صلى الله عليه وسلّم: «ما منْ أيامٍ أعظم عند الله ولا أحَبُّ إليه العمل فيهنَّ منْ هذه الأيام العَشْر، فأكثروا فيهنَّ من التهليل والتكبير والتحميد».
• وقد ورد أنّ سعيد بن جبير ومجاهدًا وعبد الرحمن بن أبي ليلى كانا يدخلان السوق في أيام العشر فيكبِّران فيكبر السوق بتكبيرهما، وأن عبد الله بن عمر وأبا هريرة كانا يدخلان السوق فيكبّران لا يدخلان السوق إلا لذلك.
رابعًا:من نوى ذبح أضحيةٍ:-
فمما وجَّـه إليه الإسلام من آداب في هذه العشر أن من عزم على أن يضحي كره له حلق شيء من شعره أو تقليم أظافره .
لما روى مسلم عن أم سلمة أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره حتى يضحى».
خامسًا: الإكثار من الصدقات المادية والمعنوية:-
لما فيها من التقرّب إلى الله تعالى وابتغاء الأجر والثواب منه سبحانه عن طريق البذل والعطاء والإحسان للآخرين.
قال تعالى: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ الحديد: 11
ولما يترتب على ذلك من تأكيد الروابط الاجتماعية في المجتمع المسلم من خلال تفقّد أحوال الفقراء والمساكين واليتامى والمُحتاجين وسد حاجتهم، لا سيّما وأنّ موسم العيد فيه يحتاج الفقراء للطعام والملبس الجديد، وفي ذلك درْس في الإحساس وبث المشاعر الطيبة. ثُمّ لأنّ في الصّدَقة أجراً عظيماً وإن كانت معنويةً وغير مادية .
فقد ورد في الحديث الصحيح كما عند البخاري: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يَعْمَلُ بِيَدِهِ، فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلْهُوفَ» قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: «فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ»…
سادسًا: الإكثار من الأعمال الصَّالحة عمومًا:-
لأنّ العملَ الصَّالح محبوب إلى الله تعالى وهذا يستلزم عِظَم ثوابه عند الله تعالى. فمن لم يمكنه الحجّ فعليه أن يعمر هذه الأوقات الفاضلة بطاعة الله تعالى من الصلاة وقراءة القرآن والذكر والدعاء والصدقة وبر الوالدين وصلة الأرحام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من طرق الخير وسُبُل الطاعة.
وهذه مجموعة من الأعمال الصالحة العامّة والخاصّة: قراءة القرآن وتعلمه – والاستغفار – وبر الوالدين – وصلة الأرحام والأقارب – وإفشاء السلام وإطعام الطعام – والإصلاح بين الناس – والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – وحفظ اللسان والفرج – والإحسان إلى الجيران – وإكرام الضيف – والإنفاق في سبيل الله – وإماطة الأذى عن الطريق – والنفقة على الزوجة والعيال – وكفالة الأيتام – وزيارة المرضى – وقضاء حوائج الإخوان – والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم – وعدم إيذاء المسلمين – والرفق بالرعية – وصلة أصدقاء الوالدين – والدعاء للإخوان بظهر الغيب – وأداء الأمانات والوفاء بالعهد – والبر بالخالة والخالـ وإغاثة الملهوف – وغض البصر عن محارم الله – وإسباغ الوضوء – والدعاء بين الآذان والإقامة – وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة – والذهاب إلى المساجد والمحافظة على صلاة الجماعة – والمحافظة على السنن الراتبة – والحرص على صلاة العيد في المصلى – وذكر الله عقب الصلوات – والحرص على الكسب الحلال – وإدخال السرور على المسلمين – والشفقة بالضعفاء – واصطناع المعروف والدلالة على الخير – وسلامة الصدر وترك الشحناء – وتعليم الأولاد والبنات – والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير.
أيها المسلمون:-
• هيا فلنحيا هذه الأيام بروح المجاهدين والعابدين..
• نحياها بروح الحجّاج المتبتلين الأوابين القائمين الذاكرين الله كثيرًا..
• نحيا العشر بهمّة الصالحين المصلحين العاشقين لتوبة من الله ورحمة منه عزّ وجلّ…
• نحيا هذه الأيام وكلنا أمل في الله تعالى بأن يفرّج الكرب عنا وعن بلادِنا وأن يحفظنا والمسلمين جميعًا من كل سوء وبلاء…
• هيا فلنعشها لله، ونحيا فيها لله، لا نتحرّك حركة إلا ونحن نوقن بأنها ترضي الله تعالى، ولا نتكلّم بكلمة ولا نسمع شيئا ولا ننظر إلى شيء إلا ونحن -على يقين- بأن فيها مرضاة ربنا وخالقنا سبحانه.
نسألُ الله تعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه…
اللهم أصلِح ذوات بيننا، وأعِد أيام العشر على أمتنا كلها بالخير واليُمن والبركات..
اللهم تقبّل منا صالح أعمالنا، واختم لنا بالصالحات…
اللهم احفظ مصرنا من كل سوء وبلاء، واصرف عنها سوء المعيشة وشرّ الغلاء…
اللهم أعِد إلينا كرامتنا، ويسّر أمورنا، واحفظ أعراضنا، وحقق أمانينا، وثبت إيماننا….
اللهم أذِقْنا حلاوة الإيمان بك والقرب منك…
اللهم انصر المسلمين المستضعفين في كل مكان، وعليك باليهود الغاصبين المتجبرين، اقذف الرعب في قلوبهم وقلوب من والاهم وأيّدهم وعاونهم.
اللهم وارزقنا قريبًا برحمتك زيارة بيتك واقبلنا وتقبّلنا يا أرحم الراحمين… اللهم آمين.
-
الشيخ حسام السيد مخلوف .. إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية بالقاهرة.
التعليقات مغلقة.