Take a fresh look at your lifestyle.

الصحفي ياسر سليم ناعيا ابنته آيات: آه ما أقسى الصباح

498
آه ما أقسى الصباح، حينما تستيقظ الأحزان وتنهض لتجثم على الصدر، أنادي آيات فتغمرني رائحة المسك التي اجتاحتني حينما قبلتها وهي في رداء الرحيل الأبيض، ارتميت عليها في كفنها وقبلتها على جبهتها التي طالما قبلتها عليها كلما ارتمت على كتفي.
أختها تقول لي إنها أيضا تشم المسك حينما نتكلم عنها.
قالت آيات إنها لن تذهب لتمرين النادي إلا بحذاء وزي رياضي جديد، ابتداء من غد الأول من يوليو الحالي.
أذعن لها: القمر يؤمر.
تضع كفها على كفي وتضحك: ايه كل التشابه اللي بينا ده يابابا، حتى في تفاصيل الكف.
وقالت لي إن كل من رآها تحمل صورتي وتدعو لي في انتخابات النقابة الأخيرة اندهش من تطابق الملامح، وقال لها مستنتجا: انت بنت ياسر، صح؟
صح، انا بنت الأستاذ ياسر سليم.
وقالت لي :
تاريخ عيد ميلادنا الواحد وفر لك ثمن تورتة إضافية، انا دايما موفرالك.
وتضحك، وتضحكني كلما داعبتني كما لا يضحكني أحد، وتتقافز حولي كالأطفال، تغني، وتلهو مع أختها الأصغر كطفلة في عمرها، أتأملها مبتسما وأقول متى تكبرين؟
وأكبر ليه؟
عشان هتبقي زوجة وأم.
عايزة أفضل طفلة…
من أصدقاءك يا آيات؟
أنت صديقي الوحيد في العالم.
وأنت صديقتي الأحب والأقرب، واحنا متشابهان حد التطابق حتى في طريقة التفكير.
أحكي لها أسرار الطفولة التي لم أطلع عليها أحدا:
عارفة، كان كل دعائي ان ابي يكون فخور بي، وحزنت لما أهملت في سنة دراسية وندمت لأن ده أحزن والدي.
متقلقش هتحزن عليا كتير….
وتضحك ساخرة من ان رسالتي مكشوفة.
أنت ذكية وأذكى منى لما كنت في سنك، ابحثي في داخلك عن موهبتك، كوني كما تحبين بما ترضى عنه نفسك، ويرضى عنه الله.
ليلتها قبل الأخيرة قالت: حاسة بملل يابابا.
قلت لها تواصلي مع حبيبك، فاندهشت ونظرت لي بتساؤل، فواصلت: الله…صلي له في جوف الليل.
وصباحا قالت : توضأت لأصلي قيام الليل وحالما فردت السجادة أذن الفجر، فصليته، قلت لها إنما الأعمال بالنيات، كتب لك أجر قيام ليل.
طيب انا لسه حاسة بملل، هانزل اتمشى حوالين العمارة.
مفيش مشكلة، بس استني الساعة ٨ الصبح تيجي، ومتخرجيش بره سور المنطقة، متمشيش بلا هدف، امشي كأنك بتمارسي رياضة المشي.
بعد نتيجة الإعدادية، قالت لي:
صحابي هيتفسحوا مع بعض.
قلت لها تعالي اوديكم واكون معاكم.
مش هيرضوا، عايزين يكونوا وحدهم.
طيب تعالي انا وانت نكون وحدنا فسحة ف المكان اللي تحبيه.
ايه رأيك يابابا في فيلم رعب في السينما.
ماشي.
يلا بينا.
تفتش في كتبي بحثا عن كتاب مناسب تقرؤه، تجد أنني اشتريت كتبا من معرض فيصل للكتاب، تعاتبني:
رحت من غيري؟
هو انا باعرف اصحيك يا ايات، عشان تيجي معايا؟
ماشي يابابا، عقابا لك هاخد كتاب أقراه قبل ما تكون قريته انت.
تجد مجموعة قصصية، تقرأ بعضها ثم تردها إلي:
فيها كلام مش كويس.
أنظر إليها وأتأملها، شابة لم تغادر الطفولة بعد، وطفلة تريد أن تتصرف كالكبار، تتأبط ذراعي في الشارع كخطيبين، نتبادل الكلام مندهشا من هذا التآلف العجيب بين روحينا، ليس حبا تقليديا من أب لقطعة منه انفصلت عن جسده ومشت بجانبه، لكنها شيء أكبر، محبة صديقين، وصداقة حبيبين، أتساءل كل حين عن سر حبي الجارف لها عن غيرها.
يقول إخوتها:
دلوعتك محدش عارف يكلمها، شد عليها شوية.
تقوم بألعاب خداعية بمهارة، تتصنع النوم، حينما تريد أن تتهرب من الخروج، تصنع بملامح وجهها ما يجعلني أنفجر ضحكا، وتقول لي كل حين:
عنيا بتوجعني.
تعالى نكشف عليك ف مستشفى العيون.
وأصطحبها للمغربي في السيدة نفسية، منها علاج ومنها زيارة، يقول التقرير الطبي إنها لا تعاني من شيء، فتقول لي:
بس عنيا بتوجعني.
أقول لها ربما من كثرة النظر في شاشة الهاتف، قللي منه.
أصطحبها لزيارة السيدة نفيسة، نصلي في المسجد، وأحدثها عنها، وأقول لها اقرأي عنها، أريد أن تكون لها نموذجا وقدوة.
أصنع مجموعات عائلية على الماسنجر والواتساب فأسميها أسماء تقليدية: بناتي، عائلتي..وأجعلها أدمن عليها فتقوم بتغيير الاسم لاخر غير تقليدي، أقول لها إن حبك لعدم التقليدية، يعني أنك مميزة، ومبدعة، تعالي نبحث عن وسيلة لإخراج هذه الموهبة، قناة يوتيوب، موقع…
تبدو جريئة أمامنا، وخجولة تذوب من الحياء أمام الغرباء، تقول لي:
بابا فيه زميلي في المدرسة بيقرب مني، وبيقول لي انه بيحبني.
قولي له احنا زمايل مش اكتر، روح انجح وكون نفسك وتعالي كلم بابا لما نكبر.
فتسخر:
وهو العيل ده هيفهم الكلام ده.
ونضحك، وتأخذ هاتفي، تصورنا معا، وجدت غالب الصور في الهاتف صورا تجمعنا معا.
غيرت اسمها عليه وجعلته المفضل الأول في قائمة الأسماء، فأقرأه بعدما غيرته:
آيات بنتي حبيبتي روح قلبي اللي مفيش زيهااااا.
وكلما غضبت مني أناديها: تعالي يا ايات ياروح قلبي ياحبيبتي ياللي مفيش زيها، فتحاول كتمان ضحكتها وتفشل، ثم أسألها:
كنت زعلانة مني ليه؟
مش فاكره.
وحتى لو تذكرت، فإنها تعفو وتصفح كأن لم يكن هنالك شيء، لا ترد طلبا لأختيها، ولا لبنات أعمامها وأخوالها، غضبت أختها الكبرى: قولي لا يا ايات، اتعلمي ترفضي، عشان حاجتك متبقاش مستباحة.
تنظر بلا مبالاة:
عشان ميزعلوش مني.
أسألها:
مش عايزة حاجة؟
لا
طيب مش كنت عايزة ايسكريم امبارح واحنا مروحين ولقينا المحل قافل، اجيبلك وانا جاي؟
لا خلاص مش مهم.
ثم تطلب مني:
ماما كانت عايزة منك حاجة…يارا محتاجة درس مراجعة..ياسمين محتاجة قطة نوع كذا..بلون كذا.
ثم لا تسألني شيئا لنفسها، إلا في صباحها الأخير على الأرض، حينما طلبت زيا جديدا وحذاء رياضيا.
سمت حسابها على أحد منصات التواصل:
خذني إلى الفضاء.
وذهبت لفضاء الرحمن الرحيم الودود اللطيف الكريم، اشتريت لها زيا يناسبه، لرحلة لا تحتاج لحذاء جديد أرادته، رداء أبيض يليق بعروس زففتها فجرا إلى من هو أرحم بها مني، وأحب لها مني، وأحن عليها مني، من بيده سعادة الدارين، الذي أرجوه أن يمنحها من فيض كرمه وجوده الجميل ما قصرت فيه وعجزت عنه.
إلهي رحمتك وعفوك وفضلك وإحسانك.

التعليقات مغلقة.