الشيخ حسام مخلوف يكتب: أعمال تعدل ثواب الحج
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدصلى (الله عليه وسلم) وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد :
- فالحج ولادة جديدة، وبداية جديدة، وعهد جديد في حياة الحاج؛ قال صلى الله عليه وسلم: ﴿مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ﴾
رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350).
يرجع الحاج وكأنه وُلِد هذه اللحظة، طاهرًا نقيًّا من الذنوب والمعاصي، يرجع وقد وُعِد بالجنة، تخيَّلوا حاجًّا بهذا الشعور، يمشي على الأرض وكأنه من أهل الجنة، وهو طاهر كملَكٍ من الملائكة، ما عليه خطيئة، ألا يستحق هذا شكرًا لله تعالى ومزيدَ طاعة، وتَكرارًا لهذا الركن العظيم كلَّ عام؟! بلى!!!
• ولكن كيف يستطيع المسلم أن ينال عددًا من الحجات تفوق عددَ سنوات عمره؟!
وبعبارة أخرى: كيف يكسب العبد ثواب ألف حجةٍ أو خمسة آلاف حجة وأكثر من ذلك؟! يأتي ذلك بالحرص على الأعمال الصالحة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن ثوابها يعدل ثواب الحج.
• وهل هناك أعمال صالحة يَعدِل ثوابُها ثوابَ الحج؟
نعم، تعالوا معي نستعرض خمسة أعمال صالحة ثوابها يعدل ثواب الحج؛ أهداها لنا نبيُّنا صلى الله عليه وسلم لتكثير حسناتنا وتثقيل ميزاننا، ومَن استكثر من هذه الأعمال وكسب ثواب ألف حجة مثلًا، فكأنه عُمِّر ألف عام حجَّ فيها سنويًّا.
العمل الأول:-
أداء العمرة في رمضان.
فقد روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﴿عمرة في رمضان تعدِل حجة﴾وفي رواية: ﴿تعدل حجةً معي ﴾متفقٌ عليهِ
العمل الثاني:-
أن تُحجج عددًا من الناس من مالك الخاص كلَّ عام: فإذا أردتَ ثواب الحج فبإمكانك أن تبحث عن أناس وتُحججهم على نفقتك، أو تساعدهم أو تشترك مع غيرك فى أن يحج رجل فقير ، فتنال ثواب الحج وأنت قاعدٌ في بيتك، ويمكنك أن تُحوِّل ثواب ذلك الحج لأحد والديك؛ ليرتقي ثوابك إلى ثواب البر والإيثار، فإن ذلك يصل ثوابه للميت، فقد أراد عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما التصدق عن جده الكافر، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان يصل للميت ثواب العتق، فقال صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِنَّهُ لَوْ كَانَ مُسْلِمًا فَأَعْتَقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ تَصَدَّقْتُمْ عَنْهُ، أَوْ حَجَجْتُمْ عَنْهُ، بَلَغَهُ ذَلِكَ ﴾ رواه أبو داود
العمل الثالث:- المحافظة على صلاة الإشراق …
فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ﴾ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ﴿ تَامَّة، تَامَّة، تَامَّةٍ﴾رواه الترمذي 586، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 469.
وكثيرًا ما تسأل النساء اللاتي يُصلين في بيوتهن، ويَحرِصن على هذا الثواب: هل تكسب ثواب حجة وعمرة لو بقيتْ في مُصلاها حتى تطلع الشمس قيدَ رمحٍ، ثم صلَّت ركعتين؟ قال بعض أهل العلم: “ظاهرُ هذا الحديث العموم لكل مَن صلَّى الصبح في جماعة، وجلس الجلوس المذكور، ثم صلى الركعتين، ولا شك أن المرأة إذا قعَدت في بيتها سيكون لها الأجر العظيم، وليس مَعَنا من الدليل ما يدل على أن لها أجرَ حجة وعمرة تامة تامة تامة، إلا أننا نرجو لها ذلك من الله، ما دامتْ قد جلست في مكان صلاتها ذاكرةً الله، فالنبي صلى الله عليه وسلم صرَّح بأن صلاتها في بيتها خيرٌ من صلاتها في المسجد.
العمل الرابع:-
حضور الدروس والمحاضرات في المساجد: فقد روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ من غَدا إِلَى الْمَسْجِد لَا يُرِيد إِلَّا أَن يتَعَلَّم خيرًا أَو يُعلمهُ، كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج تَامًّا حجَّته ﴾
أخرجه الطبرانى 8/94، رقم 7473 الألباني قال : حسن صحيح.
إن حضورك أو سماعك فى هذه الجائحة لكل درسٍ أو محاضرة تُقام في المسجد، تنال به ثواب حجة كاملة…
لقد كان السلف رحمهم الله تعالى يسافرون في طلب العلم، واليوم أصبح العلماء هم الذين يأتون من مدن بعيدة لتقديم الدروس والمحاضرات والدورات العلمية للناس، ولكن لا نجد حرصًا على الحضور، ألا تعلمون أن من خرج في طلب العلم، فهو في سبيل الله حتى يرجع؟! ألا تعلمون أنه ما اجتمع قوم على ذكر، فتفرقوا عنه، إلا قيل لهم: قوموا مغفورًا لكم؟!
ألم تسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له طريقًا إلى الجنة ﴾؟! وفوق ذلك كله تنال ثواب حجة كاملة لحضورك أو سماعك درسًا أُقيم في المسجد، هكذا بشَّر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ﴿ من غَدا إِلَى الْمَسْجِد لَا يُرِيد إِلَّا أَن يتَعَلَّم خيرا أَو يُعلمهُ، كَانَ لَهُ كَأَجر حَاج تَامًّا حجَّته ﴾.
فحري بنا حضور مجالس العلم وتعلُّم أمر ديننا، وحري بنا الحرص على الأعمال التي يعدِل ثوابُها ثواب الحج، والإكثار منها، وهذه الأعمال لا تُسقط عنَّا حجَّ الفريضة، وإنما تزيد ثوابنا…
العمل الخامس :-
فهو أداء الصلاة المكتوبة في المسجد .
فقد روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لَا يَنْصِبُهُ إِلَّا إِيَّاهُ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ، وَصَلَاةٌ عَلَى أَثَرِ صَلَاةٍ لَا لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ ﴾
رواه أبو داود 558، وصححه الألباني في صحيح الترغيب 320.
فهذا الحديث يرشد إلى ثواب آخر لصلاة الجماعة في المسجد، فإننا نعلم جميعًا أن من صلى الفريضة جماعة في أي مكان – ولو في بيته مع أولاده، أو ضيفه – نال ثواب سبع وعشرين درجة، ولكن الذي سيحرص على أداء هذه الصلاة في المسجد أو فى نظراً لظروف الجائحةسيزيد ثوابه إلى ثواب حجة كاملة.
وهذا أمرٌ قد غاب عن كثير من المسلمين المتقاعسين عن أداء الفريضة في المسجد، وتراهم إذا اجتمعوا في بيت أو مجلسٍ، وأذَّن المؤذن، تقاعسوا عن الذهاب إلى المسجد، وصلَّوْا في مكانهم، متعلِّلين بأنهم جماعة، وسينالون ثواب سبع وعشرين درجة، وما علِموا ما خسروه من ثواب عظيم، إضافةً إلى الوعيد لمن ترك الصلاة في المسجد دون عذرٍ باحتمال عدم قبولها أو عدم كمالها؛ حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ﴿ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا مِنْ عُذْرٍ ﴾ رواه ابن ماجه 793، وصححه الألباني في صحيح الجامع 6300.
إن الذي سيحرص على أداء الفريضة في المسجد كلَّ يوم، سينال ثواب خمس حجات يوميًّا، وفي العام الواحد سينال حوالي 1800 حجة، وفي عشر سنوات ثماني عشرة ألف حجة، وهكذا…
إن الذين يجلسون أمام الشاشات وأمام الإنترنت وقت الصلاة، لو يعلمون مثل هذا الثواب الجزيل، هل تظنون أنهم سيُفرطون في صلاة الجماعة في المسجد بعد اليوم؟!
إن المسلم منذ أن يَخرج من بيته إلى الصلاة والحسنات تُصَبُّ عليه صبًّا، فكل خُطوة يَمشيها بحسنة، والملائكة تظَل تستغفر له حتى يرجع إلى بيته…
فاللهم وفِّقنا لهداك، واجعَل عملنا في رضاك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
بقلم الشيخ حسام السيد إبراهيم مخلوف .. إمام وخطيب ومدرس بوزارة الأوقاف المصرية بالقاهرة …
التعليقات مغلقة.