كنت قد دخلت مبني مجلس الشعب لأول مرة فى حياتي عام ١٩٨٤ ، بمناسبة انتخاب والدى ا.د. رفعت المحجوب رئيسا للمجلس ، و فى اول زيارة هناك قابلت رجل قصير القامة يدعي “عم رفعت” على اسم والدى رحمة الله عليه .
و هو المسؤول الأول والأخير عن مسح الاحذية بمجلس الشعب ، و الحق لا أعلم إلى اليوم ان كان هو موظفاً بالمجلس ام يدخل ليسترزق من الأعضاء و العاملين هناك .
إلا أن الكل يعرفة و الكل يحبه و يرحب به ، فهو هناك من قبل تولي المحجوب رئاسة المجلس و ظل بعد المحجوب إلى أجل قريب ، و اعتقد إلى الان .
و لم انسَ هذا الرجل ابدا لأن أبي كان دائم الشكوى من انه يعطله عن دخول الجلسات لإصراره في كل مرة على مسح حذائه مما اضطر المحجوب ذات مرة لترك حذاه له و دخول الجلسة بالشبشب .
والحق اقول ، كثيرا ما راودتني فكرة نظرية المؤامرة و ان هذا الرجل يعمل لحساب جهه سيادية وانه اهم واخطر رجل فى مجلس الشعب فهو يملك من المعلومات ما لا يملكه أحد ، لانة الوحيد الذى يرى و يسمع كل ما يدور فى أروقة مجلسي الشعب و الشورى و قادر على دخول اى مكتب و اى قاعه فى اى وقت على مدار الأسبوع ، حتى اني تصورت أن لا منزل له وانه يقيم اقامة كاملة فى مبني مجلس الشعب.
و بعد سنين طويلة منذ رحيل ا.د.رفعت المحجوب ،
دخلت إلى المجلس مرة ثانية فى عام ٢٠١٢ لمناقشة الوضع الاقتصادى المصري بعد ثورة يناير ٢٠١١ ، و قابلت عم رفعت ماسح الاحذية بعد أكثر من اثنين و عشرين عام ،
و الغريب انة تذكرني و قال لي ؛
الله يرحم والدك كم كنت أحبه كثيرا ،
فشكرتة على تلك المجاملة الرقيقة من مواطن بسيط على فطرتة ، خاصه وأن أبي فى ذمه الله ، و هو لا يريد مني
ناقة ولا جمل ، فأنا استاذ جامعي ولا أملك اى سلطه لأقدم له شيئا أو اسدي له خدمه ، إلا انة استرسل و قال؛ لم احب أحد من رؤساء المجلس أو الأعضاء مثلما احببت والدك ا.د. رفعت المحجوب ، و العضو المهندس طلعت مصطفي رحمهما الله،
فسألته؛ لماذا هم الاثنين على الاخص؟
فرد وقال ؛
ابوك كان لا يخجل ابدا ان يقول لكل من يدخل مكتبة و انا معه الراجل دة اسمه رفعت على اسمي، ولم يسمح لي ابدا بوضع الحذاء على قدمه مثل باقي الناس ، و هذا كان يسعدني كثيرا إلى جانب ان كل مرة امسح له الحذاء يعطيني خمس جنيهات ، و هذا مبلغ كبير بالنسبة لي و اعتقد له لأنه فى الحقيقة كان راجل شريف ، و قوى فى الحق
و يدافع عن الغلابة امثالى.
فسألت؛
و ماذا عن المهندس طلعت مصطفي،
فرد و قال؛
كان دائما يطلبني لمسح حذاءة و لو كان نظيفا و يخرج كل ما فى جيبة دون أن يعرف المبلغ كام و يعطيني اياة ،
ولا ينظر لى فى وجهي ابدا ، فكان معطاء بخجل و كان دوما عفيف النفس خير مع الجميع .
رحم الله د.رفعت المحجوب و المهندس طلعت مصطفى، وأطال الله في عمره عم رفعت.
التعليقات مغلقة.