نهلة أبو العز تكتب: 40 يوما بعدك
هبوط في التنفس، هذا هو سبب وفاة أمي، رفضت رئتيها أن تحصل على المزيد من الهواء الملوث في دنيا منحتها الشقاء والتعب بالمجان، صحيح أن النَفس الذي كانت تسنشقه كان الحياة لنا ولكنها بعدم التنفس المؤلم بعد أن سكن الفيروس الملعون صدرها قد ارتاحت.
هبوط في التنفس، تعبير توقفت أمامه كثيرًا وكأنه مجاز لكلمة “كورونا” ربما حتى لا يتم تسجيل كل حالات الوفاة وربما حتى لا يجزع أهل المتوفي من سبب الوفاة وكأنهم يهنون الأمر.
هبوط في التنفس، كيف يا أمي ضاع هبط هذا الهواء وبخل عليك بالحياة؟ هل تتذكرين يوم أن حصلتُ على الشهادة الابتدائية؟ كنتِ سعيدة جدًا، وعندما عدتُ من المدرسة بعد أن اخبرتك بالنتيجة كنتَ تجلسين أمام البيت وتحملين صنية بها عدس أصفر تنقيه وتصنعي لنا احلى اكلة كشري بالعدس الأصفر، ابتسمتي وفورا قررتي ان تطهي لنا أرز بالحليب حلاوة نجاحي، واصبحت عادة في كل شهادة.
هبوط في التنفس، يقولون انه حدث لكِ أنتِ ولكنه في الحقيقة أصابني أنا، نعم يا أمي أنا ابتسم، اذهب للعمل، اراعي الأولاد، ولكنني ابحث عن نفس يحمل رائحتك ولا أجده، فمن منا على قيد الحياة؟
هبوط في التنفس، حرمني منك لمدة أربعين يومًا وسوف تزيد الأيام والسنين القادمة من دونك، هل تعلمين أن النبتة في شرفتي زهرت وردة جميلة كنت ادخرها لكِ؟ هل تعلمين أنني زرعت النعناع لنشرب الشاي معًا وفور أن تتذوقيه تقولين : الله تسلم ايديك، هل تعلمين أن أربعين يومًا مرت من دون أن اسمع صوت دعاءك ليّ: ربنا يجعل قلمك ناجح.
حبيبتي لن اعد الايام بعدك فكلها تشبه بعضها وسواء كانوا أربعين أو أكثر لن أهتم، فمن أصابه الهبوط هو قلبي ومن غاب عنه الهواء هو صدري، فأصبحت روحي تهيم حولك في كل وقت واصبحت اكره كورونا وسيرتها ورائحتها التي سببت لك هبوط في التنفس.
التعليقات مغلقة.