الشفاء ليس في علبة دواء .. قصة قصيرة للكاتبة ياسمين عزت
وقفت والأمل بعينيها، تترقب مرح الأطفال، من خلف سياج حديدي، يفصلها عن الملهى المخصص في أحد أركان حديقة الطفل، وقفت بقامة قصيرة وجسد هزيل أعياه المرض، ووجه طفولي يشع نورا لم يؤثر عليه الإرهاق، وعينان خضراوتين تنبضان بالأمل والذكاء معا.
وقفت في صمت تراقب حديقة الأطفال، المقامة على أطراف مدينتها، والتي كان من نصيبها أن تسكن في عشوائياتها، في حارة ضيقة ربما تزورها الشمس عنوةً، تمنت لو أن تستطيع العبور للداخل بالحديقة تمرح معهم وتحلق في السماء سعادة بعربة الملهى، لكن السياج الحديدية التي تحيطها، حالت بينها وبين تحقيق حلمها، ذلك الحلم الذي يراودها منذ عام منذ اللحظة التي بدأت تتردد فيها على الأطباء، للعلاج من مرض هاجمها فجأة ولم يستطع الأطباء تشخيصه إلا بعدما تناولت أدوية وعقاقير أضرت بها أكثر من مداواتها، لم تكن ترى أنها مريضة، لم تعاني بقدر معاناة والديها، فهما رحمة ورأفة بها كانا يتقطع قلبهما آلما إلا أنها كانت أكثر صبرا ربما عايشت مع الآلم .
في الحقيقة أن لم تكن هي المانع، وإنما بضع جنيهات كانت هي المانع الأكبر، ظلت تراقب الأطفال في صمت، وإذ بشعور موحش اقتحم قلبها بدل ابتسامتها لشرود، شعرت وكأنها سجينة رغم وقوفها بفضاء الشارع الفسيح، فبضع جنيهات تحرمها لذة اللعب والمرح، صوت من بعيد ينادي عليها تكاد لا تسمعه إلى أن اقترب مصدر الصوت، إذ بأخيها قادم نحوها متساءل ألم تسمعي صوتي، فأجابته بصمت ونظرة فيها أمل ورغبة في دخول الحديقة.
فهم أخيها الأكبر نظرتها، وقال لها تودي أن تدخلي الملهي وتقودي هذه العربة الصغيرة، فأجابته بهز رأسها، فما كان عليه أن أخبرها بأنه أنفق كل ما ماتبقى من نقود من بعد قيمة كشف الطبيب، حتى أن المتبقي لم يسمح له بشراء كل الأدوية، فأصابها حزن لكنها كعادتها كانت كتومة، ابتعلت ألمها وقالت له فلنذهب لا داعي للوقوف، فاقترح عليها أن يعود للصيدلية ويرد أقل علبة دواء ثمنا للصيدلي، في مقابل أن تستطيع اللعب في الملهى، لكنها اختارت أن تبقى علبة الدواء، حتى لا تنهرها والدتها، مؤكدة على أن الأدوية أهم من اللعب.
اصطحبها أخيها متألما أكثر منها، وذهبا معا بأيدي فارغة إلا من الدواء، مترجلين حتى وصلوا غرفتهم الصغيرة بحارتهم الفقيرة، لتستقبلهم والدتهم بابتسامتها الممزوجة بالهموم، متسائلة عن ما قاله لهم الطبيب بشأن حالتها الصحية، فأجابت الطفلة بابتسامة حزينة وكان الصمت سيد الإجابة فما زالت العربة ومرح الأطفال بعينيها، إلا أن شقيقها قال لوالدته، لقد نصح الطبيب بأن لا تجهد نفسها حتى في مذاكرة الدروس، كما أنها في حاجة لتغذية جيدة وبدأ يعد أنواع الطعام.
ترد والدتهما كيف أستطيع توفير هذه الأطعمة الغالية ونحن نوفر قيمة الكشف والأدوية بالكاد، ليرد عليها ولدها بأنه مع كل هذا لم يستطع شراء كل الأنواع التي وصفها الطبيب، فالنقود لم تكفي، محاولا توضيح شئ أهم بقوله: “نسيت أن أؤكد عليك ما أكده الطبيب بأن نحاول أن نحسن مزاجها ونرفع من معنوياتها، وأول هام أن نوفر لها تذكرة دخول للحديقة لكي تمرح مع الأطفال، فعلاجها النفسي اول أسباب علاج مرضها المستعصي، لترد والدته في استنكار “هنوفر فلوس للعب ولا العلاج ولا الأكل”، لكن الطفلة أجابت والدتها بابتسامة مؤكدة عليها أن رغبتها في دخول الحديقة كانت لحظية وانتهت بمجرد دخول الحارة، في محاولة منها لأن لا تتألم والدتها، لأنها تعلم أنها قليلة الحيلة.. وصوت في داخلها يؤكد لها أنه سيأتي يوم وتكون هي صاحبة الملهى في المستقبل.
التعليقات مغلقة.