كتب – إبراهيم شعبان
قبل أكثر من 140 عاما، وبالتحديد في نهايات القرن التاسع عشر، بدأت الدولة العثمانية في الترنح وبدأت القوى العالمية أنذاك “تقضم” من أملاكها المتناثرة على مدى ما يزيد عن خمسة قرون في الشرق والغرب.
ساعتها لم يطق سفاحو الدولة العثماينة ما يجري لامبراطوريتهم الغابرة، فأعلنوا حملات الإبادة ضد القوميات والأقليات التي تسكن تركيا وكانوا يشعرون انها مصدر قلق لهم.
ونال “الأرمن” الجزء الوافر في “هولوكوست وجحيم العثمانيين” بالذبح والقتل والإبادة الجماعية، لمجرد أن سلطانا مسعورا هو عبد الحميد الثاني، كان يشعر بسحب البساط من تحت أقدام الامبراطورية الغابرة، والتي هزت شر هزيمة خلال الحرب العالمية الأولى ومن قبلها بعقود بدأ التفكك، فبدأ يذبح في الأقليات الموجودة داخل تركيا وارتكبت يداه جرائم مروعة.
المقزز ان تركيا تعترف، بأن هولوكوست العثمانيين قد أودى بحياة 700 ألف أرميني، في حين أن الأرمن يقولون بأن العدد ما بين مليون ومليون نصف، وكأن أنقرة ترى أن ذبح 700 ألف أرميني بقرارات من السلطان المسعور عبد الحميد الثاني هو رقم يمكن بلعه!!
وخلال الساعات الأخيرة تفجرت قضية مذابح الأرمن بعدما اعترف الرئيس الأمريكي بايدن بالمذبحة، وهو أول اعتراف أمريكي سيكلف أردوغان ثمنا باهظا.
وتراجعت الليرة التركية، بعد اعتراف جو بايدن بمذبحة الأرمن على أنها إبادة جماعية على يد العثمانيين.
واقتربت أسعار صرف العملة التركية، من أدنى مستوياتها على الإطلاق، المسجلة خلال وقت سابق من نوفمبر2020 الماضي، البالغ 8.55 ليرة لكل دولار واحد، والذي يتوقف الوصول إليه بناء على استجابة السوق المحلية خلال جلسة اليوم لأسعار الصرف.
ويأتي التراجع في أسعار الصرف، بفعل تخوفات محلية من توتر العلاقة بين أنقرة وواشنطن على خلفية اعتراف بايدن بالإبادة الجماعية للأرمن على أيدي الجيش العثماني عام 1915وقبلها.
والحقيقة وفق ما نشرت “العربية نت”، فهى لم تكن مذبحة واحدة بل مذبحتين تبعتهما إبادة راح ضحيتها أكثر من مليون أرمني على يد العثمانيين.
وتعود القصة إلى عام 1876 عقب تولي السلطان عبد الحميد الثاني، حيث كانت قبل ذلك مطالبات بإصلاحات دستورية في الدولة العثمانية وبفكرة المساواة بين الملل والعرقيات الخاضعة لحكمها. وخلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، كان للأرمن مكانة في تركيا، ونفوذ واسع، حيث ضمت الحكومة العثمانية 23 وزيراً منهم.
وقال علي ثابت، مدرس مادة بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة دمنهور، لـ”العربية نت”، إن السلطان عبد الحميد الثاني، وعقب توليه السلطة، كان مدحت باشا، أحد أهم الإصلاحيين في الدولة العثمانية، مقرباً منه، وطالبه بإعداد الدستور. وأعلن بالفعل عن دستور جديد للبلاد في نفس العام، لكن ما حدث بعد ذلك أن السلطان عبد الحميد ولسبب غير معروف أوقف العمل بالدستور، ونفى مدحت باشا وكل الإصلاحيين خارج البلاد.
وفي تلك الأثناء، طرح السلطان عبد الحميد فكرة الجامعة الإسلامية للملمة بقايا الدول التابعة لحكم العثمانيين، وحاول من خلال هذه الفكرة الحصول على تأييد الدول المسلمة، إضافة إلى مكانة روحية تتيح له من جديد السيطرة على دول الولاية العثمانية. وفي ظل هذا الطرح أصبح الأرمن عنصراً مخالفاً للفكرة والتوجه، وبدأوا في الضغط والمطالبة بإصلاحات في الولايات التي يقيمون ويتركزون فيها، وهي “فان” و”أرضروم” و”بتيليس” و”معمورة العزيز” و”ديار بكر”. وساندهم في ذلك روسيا التي استغلت مطالبات الأرمن للضغط على العثمانيين والوصول للمياه الدافئة في مضيقي البوسفور والدردنيل. كما ضغطت بريطانيا للحصول على نصيب في الكعكة وساندت الأرمن بالفعل وحصلت على ما أرادت.
ونكث المسعور عبد الحميد الثاني وعوده للأرمن بضغوط دولية أكثر من مرة أنذاك، وأخيرا تفتق ذهنه عن مذابح جماعية تسكت صوت الأرمن للأبد على حد ظنه.
وأسس السلطان عبد الحميد، ما عرف بالفرق الحميدية، وهي فرق أو ميليشيات مسلحة مكونة من الأكراد المعروف عنهم تعصبهم. وبدأ السلطان في تغذية أفكارهم بأن الأرمن “كفار”، ويشكلون خطراً على الدولة الإسلامية والجامعة الإسلامية. وهنا بدأت المذبحة الأولى، ووقعت بين تلك الفرق والأرمن في الفترة ما بين عام 1894 وحتى عام 1896، وراح ضحيتها ما بين 100 ألف إلى 150 ألفا.
وأضاف ثابت وفق العربية نت: “هذه المذبحة سميت بالمذبحة الحميدية نسبة للسلطان عبد الحميد، وبسببها أطلق عليه في وسائل الإعلام الغربية السلطان الأحمر نسبة للدم”.
وتابع: “الدول الكبرى أرسلت إنذارات وتهديدات للسلطان الذي ألغى مشروع الجامعة الإسلامية وطرح الأحرار العثمانيون فكرة العثمنة أو الرعوية العثمانية، وهي التي استغلها اليهود في الدخول وشراء الأراضي الفلسطينية، بل قاموا بتصوير الأماكن الخالية في فلسطين وأرسلوها للصحف الأجنبية. وكان أقطابهم ينشرون بجوار هذه الصور معسكرات اليهود في أوروبا وروسيا للمقارنة، ويكتبون تحتها هنا شعب بلا وطن وهناك وطن بلا شعب، وكان هذا هو النواة الأولى لمشروع وعد بلفور.
وأرغم السلطان عبد الحميد على إعلان الدستور عام 1908 بعد ضغوط من حزب الأحرار العثمانيين بقيادة صباح الدين محمود باشا، أعقبه خلع السلطان. وحدثت صراعات بين أنصاره ممن أطلق عليهم الرجعيون الراديكاليون، وأعضاء الأحرار الدستوريون. وفي خضم تلك الصراعات، وقعت مذبحة الأرمن الثانية عام 1909وراح ضحيتها 30 ألف مسيحي، غالبيتهم من الأرمن.
وأشار ثابت إلى أن “الأزهر الشريف ورغم خضوع مصر وقتها للحكم العثماني أصدر شيخه سليم البشري فتوى تحرم قتل الأرمن، ووجه رسالة للمسلمين في تركيا بأن يتقوا الله في كافة الرعايا من كافة الأديان. وقام محامٍ مصري يدعى حسين صبري بتصوير نحو 25 ألف نسخة من تلك الفتوى وإرسالها على نفقته إلى تركيا لوقف مذابح الأرمن”.
وعقب تلك الأحداث، خرجت في تركيا فكرة جديدة لجمع ما تبقى من الدولة. فتم اقتراح عمل دولة تركية نقية الدماء والتخلص من كافة الملل الأخرى وتهجيرها. وعقب اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، بدأ العثمانيون تنفيذ الفكرة مستغلين انشغال العالم كله بالحرب. وبدأت حملات تهجير الأرمن قسراً، وأطلقت السلطات كافة المسجونين ممن أطلق عليهم المتوحشون، وشكلت منهم ميليشيات لمرافقة الأرمن المهجرين إلى حلب في سوريا. وخلال تلك الرحلة، ارتكبت أفظع الجرائم الإنسانية على الاطلاق.
فقد سار الآلاف من الأرمن على أقدامهم في ظروف قاسية، دون طعام أو شراب، إلى حلب. وتسابق المتوحشون من الميليشيات العثمانية إلى بقر بطون الحوامل من النساء والرهان على نوع الأجنة في بطونهم، وقتل من يتوقف منهم عن السير طلباً للراحة.
وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أن المذابح التي تعرض لها الأرمن في الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى هي “إبادة جماعية”.
وقال في بيانه بمناسبة إحياء ذكرى الضحايا: إنه في هذا اليوم من كل عام نتذكر أرواح جميع الذين ماتوا في الإبادة الجماعية للأرمن في العهد العثماني ونجدد التزامنا بمنع حدوث مثل هذه الفظائع مرة أخرى.
وتقول دائرة المعارف البريطانية، وفق الـ”بي بي سي”، إن “المذابح” التي تعرض لها الأرمن تمت من خلال عمليات تهجير قسري وقتل جماعي نفذتها حكومة حزب تركيا الفتاة التي كانت تحكم الدولة العثمانية ضد الرعايا الأرمن في الإمبراطورية خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918).
ويكشف الأرمن: إن تلك الحملة كانت محاولة متعمدة لإبادتهم وبالتالي تعد عملاً من أعمال الإبادة الجماعية، وقد قاومت الحكومات التركية المتعاقبة الدعوات للاعتراف بها على هذا النحو معتبرة أنه على الرغم من الفظائع التي حدثت فإنه لم تكن هناك سياسة إبادة رسمية تنفذ ضد الشعب الأرمني.
وقد مهدت تلك المذابح الطريق لتركيا الدولة الحالية، بعدما غاب أثر أكثر من 90 % من الأرمن في الإمبراطورية العثمانية وتم محو العديد من آثار وجودهم السابق، وتم منح منازل وممتلكات الأرمن المهجورة في شرق الأناضول للاجئين المسلمين، وكثيرا ما أُجبر الناجون من النساء والأطفال على التخلي عن هوياتهم الأرمنية واعتناق الإسلام، ومع ذلك، وجد عشرات الآلاف من الأيتام بعض الملاذ في حماية المبشرين الأجانب. وذلك بحسب دائرة المعارف البريطانية.
المقزز، إنه وطوال عشرات السنين الماضية، لم تقم اي حكومة تركية بمحاولة تقديم اعتذار حقيقي للأرمن وضمان كافة حقوقهم السياسية داخل الدولة وحصر ممتلكتهم وبدء تنفيذ خطة تعويض حقيقية لمن تبقى من أحفادهم، والتصالح مع الأرمن الذين لا يزالون على قيد الحياة وإحياء الفواجع بطرق شتى، بل كان الانكار هو الحالة المسيطرة على حكومات الدم في تركيا.
التعليقات مغلقة.