Take a fresh look at your lifestyle.

شحاتة زكريا يكتب: سوريا على مفترق الطرق .. اتفاق الضرورة أم تسوية مستدامة؟

30

في خضم المشهد السوري المتشابك جاء الاتفاق بين الإدارة الانتقالية في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) ليضيف متغيرًا جديدًا إلى معادلة لم تتوقف عن التحول منذ اندلاع الأزمة. الاتفاق الذي وُقّع وسط ظروف إقليمية ودولية مضطربة، يثير تساؤلات عديدة حول فرص نجاحه وقدرته على الصمود أمام التعقيدات السياسية والعسكرية التي طالما أعاقت أي تسوية مستدامة.

ما يلفت الانتباه أن الاتفاق جاء بعد فترة طويلة من التجاذبات ، تخللتها مفاوضات متقطعة وتصريحات متضاربة تعكس حالة عدم اليقين التي تحكم العلاقة بين الطرفين. فعلى الرغم من إدراكهما لحتمية الوصول إلى تفاهمات إلا أن المصالح المتباينة والتدخلات الخارجية جعلت من كل خطوة نحو الاتفاق مخاطرة سياسية محسوبة. في هذا السياق يبرز تصريح مظلوم عبدي ، قائد قوات قسد ، قبل أيام قليلة من توقيع الاتفاق حين أشار إلى أن إسرائيل يمكنها أن تلعب دورا في حماية الأكراد من الهجمات ، وهو ما فُسِّر على أنه محاولة للبحث عن ضمانات خارجية رغم أن مضمون الاتفاق يؤكد على الاعتراف بالمجتمع الكردي داخل إطار الدولة السورية.

توقيت الاتفاق يعكس ضغوطا داخلية وخارجية دفعت الطرفين إلى تقديم تنازلات متبادلة. فمن ناحية كانت دمشق تسعى إلى احتواء التوتر المتزايد في مناطق الساحل السوري خاصة بعد الجرائم التي أثارت إدانات واسعة من القوى الغربية. ومن ناحية أخرى تواجه قسد تحديات متصاعدة، سواء بسبب التهديدات التركية المستمرة أو بسبب الضغوط الدولية التي تحاصر مشاريعها السياسية والعسكرية. الاتفاق من حيث الشكل يبدو محاولة لتحقيق توازن دقيق بين هذه المعطيات لكنه في جوهره لا يزال يترك العديد من القضايا معلقة ما يجعله أقرب إلى هدنة مؤقتة منه إلى تسوية شاملة.

بنود الاتفاق تعكس هذه الضغوط بشكل واضح فهي تتحدث عن وحدة الأراضي السورية وحقوق المجتمع الكردي، واستعادة الدولة لسيادتها على الموارد الحيوية والمعابر. لكن في الوقت ذاته تظل العديد من الملفات الجوهرية غير محسومة وأبرزها وضع قوات قسد نفسها وإمكانية دمجها في الجيش السوري ومصير المقاتلين الأجانب في صفوفها. هذه القضايا تم ترحيلها إلى اللجان التنفيذية التي من المفترض أن تنهي عملها بنهاية العام وهو ما يفتح الباب أمام تأويلات مختلفة حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين.

التحدي الأكبر الذي يواجه الاتفاق ليس توقيعه بل تطبيقه على أرض الواقع. فالتجارب السابقة في سوريا أثبتت أن الاتفاقات التي تُبرم على الورق كثيرًا ما تواجه عراقيل سياسية وميدانية تعيق تنفيذها. في هذا السياق تبدو مسألة دمج قوات قسد في الجيش السوري اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام الطرفين خاصة أن الأكراد يرون في هذا الاندماج فرصة للحصول على ضمانات قانونية ودستورية لوضعهم المستقبلي بينما تسعى دمشق إلى استعادة السيطرة دون تقديم تنازلات قد تفتح الباب أمام مطالبات مماثلة من مكونات أخرى. المعادلة تزداد تعقيدًا عندما يتعلق الأمر بعودة المهجّرين وهي قضية شائكة تحمل أبعادًا سياسية وديموغرافية. فالتغيرات التي طرأت على التركيبة السكانية بفعل النزاع تجعل من عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية أمرًا بالغ الصعوبة ، لا سيما في ظل استمرار التداخلات الإقليمية والمصالح المتعارضة للأطراف الفاعلة على الأرض.

يبقى السؤال الأهم: هل هذا الاتفاق مقدمة لحل شامل أم مجرد محطة أخرى في طريق طويل من المراوغات السياسية؟ من الواضح أن الأطراف السورية لم تصل بعد إلى قناعة تامة بضرورة تسوية نهائية كما أن الأطراف الخارجية لا تزال تستخدم الملف السوري كورقة ضغط في صراعات أوسع. الرهان على نجاح الاتفاق يرتبط بمدى قدرة السوريين على امتلاك زمام المبادرة بعيدا عن الإملاءات الخارجية. فالتاريخ الحديث للصراع السوري حافل بالمبادرات التي أُجهضت بفعل التدخلات الإقليمية والدولية ، مما يجعل أي خطوة نحو الاستقرار مرهونة بإرادة داخلية صلبة قادرة على تجاوز الحسابات الضيقة والانخراط في مشروع وطني جامع.

من المهم الإشارة إلى أن الاتفاق تضمن بنودًا تتجاوز طرفيه الأساسيين مثل النص على وقف إطلاق النار في كافة الأراضي السورية رغم أن سيطرة قسد تقتصر على جزء محدود من البلاد وكذلك الإشارة إلى حقوق جميع السوريين في التمثيل السياسي وهو بند أقرب إلى إعلان دستوري منه إلى اتفاق محدد الأطراف. كما أن الحديث عن عودة كافة المهجرين إلى بلداتهم وقراهم يبدو طموحًا بالنظر إلى التغيرات الديموغرافية العميقة التي شهدتها بعض المناطق نتيجة النزاع. في ظل هذه المعطيات من المرجح أن يواجه تنفيذ الاتفاق تحديات كبيرة قد تجعل من البنود المعلنة مجرد خطوط عامة تحتاج إلى تفاهمات تفصيلية لاحقة.

في النهاية قد يكون الاتفاق الحالي خطوة إيجابية ، لكنه ليس الحل السحري للأزمة السورية. فالمسألة تتجاوز النصوص المكتوبة إلى مدى استعداد الأطراف للالتزام بما وقّعت عليه وهي مسألة ستكشفها الأيام القادمة وسط مشهد لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.