عادت القاهرة، التي طالما صدّرت للعالم الإسلامي عمالقة التلاوة، لتبسط عباءتها مرة أخرى، وتمنح عشاق الاستماع للقرآن الكريم تجربة روحانية تفيض بالجمال والخشوع.

لم يكن الأمر مجرد أصوات جميلة، بل كان مدرسة متكاملة صنعت هوية خاصة لتلاوة القرآن الكريم، جامعة بين الخشوع والعذوبة والدقة في آنٍ واحد. لكن مع تعاقب السنوات، بدأ مشهد التلاوة يتغير، وراحت أصوات من خارج مصر تتصدر المشهد، لا سيما من دول الخليج، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حيث برز قرّاء خليجيون كثر، أحبهم الناس وتفاعلوا معهم على نطاق واسع، في مشهد بدا وكأنه تراجع للريادة المصرية في الترتيل، حتى بالغ البعض وادعى أن “المدرسة المصرية” في التلاوة باتت جزءًا من الماضي.
عودة الروح لكن هذا العام، ومع حلول شهر رمضان، تفاجأ العالم بحرص الأزهر الشريف على نقل صلاة التراويح عبر إذاعة القرآن الكريم المصرية، تلك الإذاعة المرتبطة في أذهان الناس بعمالقة القراء، لتضج بعدها مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع متداولة من صلاة التراويح في الأزهر الشريف، تحمل أصواتًا مصرية ندية، أعادت للأذهان تلاوات المنشاوي ورفاقه، ارتفع صدى التلاوات التي تمزج بين الخشوع والجمال، وشعر كثيرون أن روح التلاوة المصرية الأصيلة قد عادت لتصدح من جديد.
إنه ليس مجرد أداء صوتي، بل هو أسلوب له تاريخه، وله منطقته الخاصة في قلوب المستمعين. هذا الحدث لم يكن مجرد عودة أصوات، بل كان إعلانًا بأن المدرسة المصرية في التلاوة لا تزال حاضرة، وقادرة على المنافسة واستعادة دورها الريادي، وأن الأزهر، الذي ظل لقرون منارة العلم والدين، أثبت مرة أخرى أنه قادر على بعث روح التجديد، ليس فقط في الفقه والفكر الإسلامي، ولكن أيضًا في تلاوة القرآن الكريم، وهو ما يحمل في طياته رسالة مفادها أن الريادة لاتمنح بل تستعاد، وأن الأزهر حين يصدح فعلى الجميع أن يعلم أن مصر لاتتلو فحسب لكنها تقود.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.