كتب – خيري حسن
لم أشاهد مباراة (الأهلي والزمالك أمس في الدوري المصري التي انتهت بالتعادل الإيجابي) واكتفيت فقط بالمتابعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وهذا أمر لم يحدث لي كثيرًا.
تركت المقهى حيث كنت في زيارة للتجمع الخامس بالقاهرة الجديدة شرق القاهرة -وكان نصفه أهلاوية والنصف زملكاوية- واخترت هذا المقهى بالتحديد نظرًا للتساوي في عدد الحضور، لكن عندما عرفت اسم المذيع الذي سيتولى التعليق على المباراة (الشهير بتعليقات أقل ما توصف بها أنها غريبة وعجيبة، بالاختصار “تافهة” إلى حد الزهق والملل من وجهة نظري)، ومن أشهرها مثلاً قوله: (“هتقولي نيللي نيللي – هقولك شريهان شريهان”)، وهو أهلاوي تغلب عليه أهلاويته -وهو حر في ذلك- تركت المقهى وتجولت في الشوارع الهادئة في ظل درجة برودة شديدة لحين انتهاء الزيارة أو المباراة أو الاثنتين معًا.
وبدأت أتابع المباراة من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، خاصة أن هذا المعلق -الذي جعلني، وربما غيري، يترحم على أيام الكابتن ميمي الشربيني، والكابتن لطيف، والكابتن الجويني، والكابتن عفت، وغيرهم- فُرِض علينا بهذه الطريقة العجيبة والمريبة بسبب (الاتجاه الواحد) في الرياضة والصحافة، والفن الذي أصبحنا نعيش معه منذ سنوات.
إن هذا الاتجاه (الاتجاه الواحد) سوف يحرمنا -وقد حرمنا بالفعل- من ظهور مواهب حقيقية في الصحافة والثقافة والدراما والرياضة، وانظر حولك وسوف ترى عناوين دراما رمضان هذا العام لتؤكد لك على ذلك. “فالجواب -كما تقول الثقافة الشعبية- بيبان من عنوانه”، فهذه المهن -إذا جاز لفظ مهن عليها- هي مهن إبداع بالأساس وفكرة السيطرة عليها لتسير في (مركب واحد)، (واتجاه واحد)، و(بعقل واحد) و( تفكير واحد) سوف تجعل المواهب الحقيقة تتوارى وتختفي ليصعد مكانها الأقل منها موهبة، نظرًا لتشابك وتقارب وتصالح المصالح التي تؤدي بنا إلى تلك النهايات غير السعيدة والتي سوف تجعلنا نفقد في السنوات القادمة -إذا ظل الحال كما هو عليه- الكثير من المواهب في شتى المجالات، ومنها بالطبع التعليق الرياضي الذي كنّا أصحاب مدراس فيه (وليس مدرسة واحدة) يشهد عليها الوطن العربي كله.
وعلينا أن نعرف -وأظن أن بيننا مَنْ يعرف- أننا بهذا (الاتجاه الواحد) سوف تغيب – وإن شئت الدقة تُغيَّب – المواهب الحقيقة من الساحة ليُفرَض علينا – كما هو حاصل اليوم – ذلك المعلق ومَنْ مثله، الذى يرى في تعليقاته، وإيفهاته، وتشبيهاته، وحركاته و(حلوياته) – “والحلويات” من تشبيهاته الفذة- ما يعتبرها هو نفسه -ومَنْ معه – نقلة إعلامية غير مسبوقة حسب اعتقاده أو اعتقاد مًنْ يفرضه علينا.
وبسبب تعليقه ظللت أتجول في الشوارع معتقدًا أنني نجوت من تعليقاته الفذة إلى أن صادفت صفحة الزميل الكاتب الصحفي محمد عبد الرحمن، (وهو زملكاوي مثلي) ينشر، وهو يتابع المباراة من الشاشة، تشبيهات جديدة نحتها السيد المعلق عن (اللؤلؤ والمرجان والياقوت) قبل أن يُسجِل الموهوب (أشرف بن شرقي) هدفه الأول في مرمى الزمالك فتركت التجمع الخامس واستقليت السيارة عائدًا للمعادي.
وعندما وصلت للمعادي كان لاعب الزمالك محمود بنتانك سجل هدف التعادل لتنتهي المباراة بهذه النتيجة، فشكرت الظروف وصوت المذيع السابق ذكره الذي جعلني لا أشاهد المباراة حتى لا أسمع (إفيهاته، وتشبيهاته، ومصطلحاته) الجديدة عن (اللؤلؤ والزمرد والمرجان)، مكتفيًا بنظرية:
“هتقولي نيللي نيللي – هقولك شريهان شريهان”.
المزيد من المشاركات
من صفحة الكاتب الصحفي خيري حسن.. حاصل على العديد من جوائز التفوق الصحفي. له عدة كتب آخرها (سيد درويش المؤلف الحقيقي للنشيد الوطنى)

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.