Take a fresh look at your lifestyle.

مصطفى نصار يكتب: جنون عقلاني بلا مكابح.. نظرة محققة في جنون ترامب

28

 بقلم – مصطفى نصار
على مدار أسبوع كامل من ولايته الثانية، ظل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يهدد و يتواعد الجميع ، كندا و المكسيك و الدنمارك و أوربا و غزة و الشرق الأوسط، بالعقوبات الكبيرة ، و التهديدات المزعزعة للاستقرار تجاريًا و اقتصاديًا، و سياسيًا في بعض الحالات الخاصة بالدول المجاورة له و خاصة بالمعارك التجارية بفرض تعريفات جمركية تناهز ٢٥%على الواردات القادمة من كندا و دول أمريكا الجنوبية مثل كولومبيا مما أحدث أزمة عميقة بين الدولتين دفعت كولومبيا أيضًا لرد الفرض بفرض ٢٥% ، و رد ناري من الرئيس الكولومبي جوستافو بيترو للدفاع عن “كرامة المواطن الكولومبي ” ، في تحد واضح للهيمنة الأمريكية .
 
 
تتشابه نظرية المجنون لدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في عدة جوانب سياسية و اقتصادية بينية ، مع هتلر النازي بحق ، حيث استخدم السياسة الانعزالية و نظرية الرجل المجنون في إطلاق التهديدات باحتلال البلدان الأوربية ، و قصف مدنهم بالطائرات ، فانتهت أكاذيبه باحتلال ألمانيا لنصف أوربا ، لكن الاندماج التزامني للاكاذيب مع الشخصية الحديثة و نموذج الدولة الحديثة جعلته بحد تعبير أستاذ علم اللغة هنريك دي بيريك في كتاب ترامب و هتلر دراسة مقارنة كذبًا متسلسلًا و مضللًا محترفًا .
 
علاوة على ذلك، يشير الكاتب و المؤرخ الهولندي يوهان هويزنخيا في كتابه في ظلال الغد ، مؤشرات دالة على سقوط الهتلرية ، و هي الدكتاتورية الشمولية ، و الشعبوية متعددة الأبعاد ، والتضليل الممزوج بالتهديدات و الاستهدافات الانتقامية ، مما كون منظومة لاهوتية بشكل تزامني ، مشكلًا إياها المنظرون السياسون و القانونيون المخضرمون مثل كارل شميت،  و جورج بوش صاحب كتاب الجريمة و العقاب الذي نظر فيه بمنتهى الوضوح و الجدية لفكرتين أساسيتين ، تكمل أحداهما الآخر ، تفيد المرجعية للدولة ، و السياسي فيها استخدام الوسائل المتاحة للبقاء في وحل و عفن السياسي عبر بقاء النزعة الفخامية للدولة بحسب قول شميت .
 
لم يبعد التهديدات المباشرة لترامب بالجحيم الحي في الشرق الأوسط و الدماغ التجارية المحضة لترامب ، مثلما خطط هتلر للاحتلال و تعيين الحكومات الموالية له مثل فيشي في فرنسا ، و موسوليني في أوربا ، دافعًا أسبانيا كذلك للسقوط نحو الهاوية ، و تكوين الجذور الفكرية لترامب ، منددًا بذلك المفكر المحافظ باتريك دينين في كتابه ما بعد اللبيرالية، لينهي المعادلة أن الفشل اللبيرالي لها سيشعل العالم للعودة للبدائية و الحروب التجارية و العالمية الضروس ، التي نسفت أركان النظام الدولي من الأساس،  و ذلك لإنها الشعبوية مخادعة بما فيه لإعادة إنتاج الرأي العام كاملًا تحت تلون الدولة ذات السيادة ، لضمان توازن السردية اليمينة .
 
إنما يزيد تلك الإجراءات الممتسحة بالتقدم و الازدهار في حالة التطرف و التعصب بكافة قطبيه سواء على يمينه أو يساره لتطابق أصلهما الفكري الذي يترجم على هيئة الحقد و الضغينة القصوى التي ستجعل من الولايات نازية جديدة أو فاشية عابرة للقوميات مثلما أكد صحفي الحرب الوازن كريس هيجدز في مقال تحت عنوان صعود الفاشية ممزوجة بالغرور و الغطرسة المحضة للتوسع ، مغلقًا الباب على أي معارضة تشاركية ، و هذا تشابه آخر إذ هتلر لم يتوأن لحظة في أن يفتح النار على ألمانيا كما بدأت آثار ذلك تتكشف على الولايات المتحدة ، مخالفًا النظرية المتضمنة للرجل المجنون .
 
 الرجل المجنون: الآثار المقلوبة من نيكسون لترامب
 
في عهد الرئيس الأمريكي رونالد نيكسون ، تكونت جبهة داخلية للمعارضة السياسة، و الاجتماعية بقيادة دانييال إيسمبورج الصحفي و المحلل السياسي بجريدة نيويورك تايمز لردع نيكسون عن احتلال كمبوديا و الأجزاء المتبقية من شبه الجزيرة الصينية ، مما أدى لظهور مصطلح الرجل المجنون بسبب إكمال نيكسون في الحرب البربرية الذي زكاها ثعلب الخارجية الأمريكية هنري كسيجنير في عامي ١٩٧٠ و ١٩٧١ ، منتهية بهزيمة نكراء و مذلة للولايات المتحددة و فشل خطط أمريكا ، عمليًا و تحليلًا و خارجيًا، وصولًا لاعتراف كسيجنير قبيل موته بفترة قصيرة تقارب ٣ سنوات .
 
و بناء على العرج الواضح في السياسة السابقة ، أدلى الكاتب الأمريكي واسع الثقافة جون سيتوات  في كتاب نظرية الرجل المجنون :تطبيق ترامب العملي الصادر في عام ٢٠٢٣م ، مؤكدًا أن النظرية المطبقة في عقل ترامب بطريقة غير تقليدية ، بل و كارثية تنسف ما تفعله الولايات المتحدة بالعالم،من حماية مصالحها و أهدافها الخارجية و على رأسها الحروب العشوائية و البربرية على عدة دول مثل العراق و أفغانستان و فيتنام بهدوء و تأن بحيث تتناسب الحجج المساقة مع الرأي العام الأمريكي  حتى سماها الكاتب الأمريكي و أستاذ علم الاقتصاد السياسي دانييال إيمورجوو في كتابه كيف تخفي إمبراطورية بالإمبراطوية المتصدعة المخفية .
 
دأبت الولايات المتحدة على نسف استقرار الدول بتهديدات وجودية و ذاهبة لسدة الحكم في البلدان اللاتينية و العربية ، و غيرها مثل بولفيا و الاكوادو و بيرو ، دون إجراء تغييرات جوهرية في الخريطة السياسية في العالم و تحديدًا الشرق الأوسط لئلا تكون مصدر قلق عالمي و داخلي ، مثلما حدث عقب ١١ سبتمبر و انقلاب مانويل نوريغا الذي ورط الولايات المتحدة بالتدخل المباشر للاستيلاء على بنما في عملية العادلة النافذة بعهد جورج بوش الأب في عام ١٩٩٢ ، حتى قال المفكر نعوم تشومسكي في حواره مع ديفيد بيرسلمان أن نوريغيا “تمرد ضد مصالح الولايات في قناة بنما “في كتاب طموحات إميريالية .
 
 
في سياق متصل، أورد تشومسكي بالتعاون مع ناثان روبنسون في كتابهما خرافة المثالية الأمريكية الذي
أوضح بوضوح تاريخيًا أن الولايات المتحدة تتبع التطبيق العملي لنظرية الرجل المجنون بوتيرة بطيئة و دبلوماسية طويلة المدى لضمان سيطرة صلبة و طويلة المدى و تحافظ على القطبية الواحدة للعالم ، فضلًا عن مساحيق التجميل الخاصة في ملفات حقوق الإنسان، و الحقوق و الحريات ، إنما الأمر انهار تمامًا مع تولية ترامب أول فترة رئاسية على جميع الملفات الداخلية و الخارجية،  فتخطى جميع الخطوط الحمراء بدء من الداخل الأمريكي ، انتهاء بالعلاقة بين الجيران و القادة العرب .
 
إنه الجنون المطلق الذي يحطم كل الحواجز الحمراء و الخطوط الممنوعة ، كمن يقود السيارة بلا مكابح و هو في ذهنه بحقيقة الأمر معرفة الطريق حق معرفته ، و يطبق كل المعرفة التي من شأنها تجديد الهيكل خارجيًا، و الانقلاب العملي على مالك السيارة السابق، دون مراجعة نقدية للقيادة البارعة دون الارتباك أو التعثر بعقوبات الطريق ، و هذا ما لم يفعله ترامب قط في فترته الأولى لتطبيقه العملي لنظرية الرجل المجنون، خاصة على المستوى الداخلي في جائحة كورنا ، و كذلك في أكثر الملفات ثقلًا و أهمها في فترة ترامب مثل حرب أوكرانيا و القضية الفلسطينية.
 
و قد ذكر أهم صحفيين أمريكيين في السياسة الخارجية في ٤ كتب ، و هم بوب وودورد و مايكل وولف إشعال ترامب للولايات المتحددة من الداخل للخارج بسبب ضغطه الكثيف على الجميع مع فجاجته و صراحته التامة و الواضحة في السخرية المريرة ، و كذلك مع دعمه المطلق للديكتاتوريات العربية و الكيان الإسرائيلي بإبرامه التاريخي لاتفاقيات أبراهام مع الإمارات و البحرين و المغرب ،فضلًا عن إعلانه الفج عن نقل السفارة الأمريكية للقدس في اعترافه للعاصمة الإسرائيلية ، و هذا دفع الصحفي الإسرائيلي باراك ديفيد لاعتبار ما يحدث ،يقينًا ،مقدمة جريئة و محاولة ناجحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بأكمله .
 
الحائط المنيع.. غاية نهائية منفرة لحكم ترامب 
 
تتسم الحكومات اليمينة التي تحكم العالم بالغطرسة الفائقة و الانحياز الذاتي المؤدي للهاوية ، و تلك العقلية الحقودة التي تستند إما لمرجعية متطرفة مثل اليمين المتطرف و الفاشية و المسيحية المتصهينة التي من شأنها تحويل العالم بأسره لمنهجهم المختل و المجنون ، لعل تلك النزعة التي جعلت كاس موده عالم السياسية النمساوي أن دونالد ترامب نموذجي باعتباره شعبويًا من العيار الثقيل، مما يطوق المجتمع ليحوله لشقين ؛أحداهما مؤيد مطلق و الآخر معارض مؤصل يهدف في نهاية المطاف للتصيد الانتقائي و النشويه الممنهج للطرف الآخر حتى يتشهوا للنهاية ، و تذهب سمعتهم الحسنة ، لفقد الثقة المبنية فيهم و المعتمدة عليهم .
 
في حالة متكررة تاريخيًا و اجتماعيًا، من الوارد أن ترداد السياسة الإقصائية داخليًا بالعزلة و الغضب المدفون أو كما أكد بروفسور السياسة الفخري في أكسفورد ديفيد باكستون في كتابه تشريح الفاشية، منتقلًا بين مراحل الانهيار انتهاء بالتمزع و التفكك كما أشارت نيكول لورو في كتابها المدينة الممزعة ، لتنتهي أخيرًا بالحائط المنيع المتمثلة في بلد مشلول أو الدخول في نفق الاقتتال الأهلي مثلما حدث في التاريخ الأمريكي في الحرب بين الولايات الشمالية و الجنوبية لاختلافهم على إلغاء العبودية لمدة ٤ سنوات (١٨٩١_١٨٩٤) ، فيظل السؤال مفتوحًا حيال تفاقم الأوضاع الداخلية بسبب العقوبات الأوربية الملوح بها .

ووفقًا للفيلسوف الإيطالي الراديكالي جورجيو أغامبين في كتابه المملكة و المجد ، ينبه على أن اليمين المتطرف يعلن باستمرار عن ثنائية دائمة ، ممزوجة بغموض الأهداف و الغاي غير المحدودة و المخترقة لسقف الممكن، و يقترح حل بديل دون أن يكلف الدولة طاقتها حتى آخر نقطة ، مما يكون علاقة تزامنية بين اللاهوت و السياسة مثلما حدث في الليفاثان التاريخي عند توماس هوبز، فالمستحيل نظريًا محتمل وقوعه عمليًا تحت سطوة المجانين ، مما تضعها أمام عدة خيارات أحلاها مر و أكثرها ألمًا هدام و مدمر بالكلية أو بتعبير ديفيد ميلر الجنون اللامعياري .

فطالما لا توجد غير الترشاقات المتبادلة و عقلية رجال الأعمال المهتمة حصرًا بالربح ، فنظرية الرجل المجنون ستنقلب ضده مثل هتلر و موسوليني ، أو على أقل احتمال ستخلق جزر منعزلة تتصارع من أجل النجاة ، أو الكيد في الطرف الآخر مثلما حدث مع المكارثية و روسيا حاليًا تحت حكم فلاديمير بوتين ، في استشرافات متقطعة و مندثرة مما يبرز الأصل الحقيقي للديمقراطية الأمريكية و فشلها أو نهايتها كما قال أستاذ السياسة في جامعة لندن ديفيد رانسمان في كتاب نهاية الديمقراطية الذي أكد أن ازدهار و استمرار النظام الديمقراطي ينزع نحو هدم أو إجراءات هيكلية للقضاء على صعود اليمين أو الفاشي بسب الفراغ الغربي مثل مقال لدانييال دانرسر الأستاذ في جامعة تفوسد في فورن بولسي .

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.