Take a fresh look at your lifestyle.

محمد عزت يكتب: الدبلوماسية الشعبية.. قوة مصر الناعمة

62

بقلم – محمد عزت

في ظل التغيرات المتسارعة التي يشهدها النظام الدولي، والتطور المستمر في أدوات التأثير والاتصال، لم تعد الدبلوماسية الرسمية كافية وحدها لحماية المصالح الوطنية أو إيصال الرسائل السياسية للدول. فالعالم اليوم لم يعد يعتمد فقط على الحكومات في تشكيل الرأي العام وصياغة السياسات، بل أصبح للمنظمات غير الحكومية والشخصيات العامة والمثقفين ووسائل الإعلام الدولية والمجتمع المدني دور متزايد في التأثير على مراكز صناعة القرار.

في هذا السياق، تبرز الدبلوماسية الشعبية كأداة حيوية لتعزيز المكانة الدولية للدول، خاصة في مواجهة التحديات السياسية والإعلامية التي تفرضها البيئة العالمية المتغيرة. ومصر، بتاريخها العريق وثقلها الإقليمي والدولي، تمتلك رصيدًا هائلًا من القوة الناعمة التي يمكن استثمارها بفاعلية لتعزيز صورتها عالميًا والترويج لمواقفها العادلة في مختلف القضايا الدولية، إلا أن هذه القوة لا تزال بحاجة إلى إطار مؤسسي قادر على توظيفها بشكل منهجي وفعال. ومن هنا، يأتي مقترح إنشاء اللجنة الوطنية للدبلوماسية الشعبية كخطوة استراتيجية تهدف إلى خلق كيان رسمي يعمل بالتوازي مع الدبلوماسية التقليدية ويعزز قدرة مصر على التأثير في الرأي العام الدولي بطرق غير تقليدية، من خلال شخصيات مصرية ذات تأثير واسع في مختلف المجالات.

تقوم الدبلوماسية الشعبية على استخدام قوى المجتمع المدني والإعلام والثقافة والرياضة والفكر والأعمال في تعزيز التواصل بين الشعوب والدول، وتقديم صورة إيجابية عن الدولة وسياساتها بعيدًا عن القنوات الدبلوماسية التقليدية. وقد أصبحت هذه الأداة عنصرًا أساسيًا في السياسات الخارجية للدول الكبرى، حيث تعتمد الولايات المتحدة والصين وروسيا وألمانيا وفرنسا على قنوات غير رسمية لتعزيز مصالحها، سواء عبر المعاهد الثقافية أو المؤثرين في وسائل الإعلام أو الشخصيات العامة القادرة على بناء جسور من التفاهم مع المجتمعات الأجنبية. وبالنسبة لمصر، فإن الحاجة إلى إطار مؤسسي منظم للدبلوماسية الشعبية أصبحت أكثر إلحاحًا في ضوء التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها، لا سيما فيما يتعلق بالملفات الحيوية مثل القضية الفلسطينية، وحقوق مصر المائية، والأوضاع في ليبيا والسودان، وتعزيز العلاقات المصرية الأفريقية والدولية. فالدبلوماسية الرسمية، رغم دورها المحوري، قد تواجه في بعض الأحيان قيودًا في التواصل المباشر مع الشعوب أو التأثير في الرأي العام الدولي، وهو ما يمكن تعويضه عبر دبلوماسية شعبية منظمة وموجهة تخاطب العالم بلغته وأدواته.

تمتلك مصر مجموعة من العوامل التي تجعل من الدبلوماسية الشعبية أداة فاعلة يمكن توظيفها لخدمة مصالحها الوطنية، فمن ناحية، تمتلك عددًا كبيرًا من الشخصيات السياسية والدبلوماسية ذات التأثير الدولي الواسع، مثل الوزراء والسفراء السابقين وأعضاء البرلمان الذين تربطهم علاقات قوية بنظرائهم في الدول الأخرى، ويمكن لهذه الشخصيات لعب دور محوري في شرح المواقف المصرية وتعزيز الروابط مع مراكز الفكر والقرار العالمي. ومن ناحية أخرى، هناك عدد من الصحفيين والإعلاميين المصريين الذين يعملون في وكالات أنباء وصحف دولية، ولديهم القدرة على التأثير في التغطية الإعلامية للأحداث المتعلقة بمصر والترويج لوجهة النظر الوطنية بطرق مقبولة لدى الجمهور الدولي. بالإضافة إلى ذلك، يقدر عدد المصريين في الخارج بالملايين، ويشكلون قوة لا يستهان بها في التأثير على الرأي العام في الدول التي يعيشون فيها، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة ودول الخليج، ويمكن توظيف هؤلاء في حملات إعلامية ودبلوماسية منظمة تدعم المصالح المصرية. كما يتمتع الفن والثقافة المصريان بحضور عالمي كبير، ويمكن استغلال هذا التأثير في تعزيز الصورة الإيجابية لمصر، سواء من خلال السينما أو الأدب أو الفنون التشكيلية أو الموسيقى أو حتى الرياضة، حيث يعد اللاعبون المصريون في الدوريات الأوروبية سفراء غير رسميين لمصر في الخارج. وإلى جانب ذلك، هناك عدد كبير من رجال الأعمال المصريين الذين لديهم استثمارات في الخارج، ويمكنهم المساهمة في تحسين صورة مصر اقتصاديًا وجذب الاستثمارات وتعزيز العلاقات التجارية مع مختلف الدول.

لضمان تحقيق أهدافها بكفاءة، يجب أن تعمل اللجنة وفق آليات محددة تشمل إطلاق حملات دبلوماسية وإعلامية دولية تستهدف وسائل الإعلام الكبرى ومراكز الأبحاث والبرلمانات الأجنبية لشرح المواقف المصرية والتصدي للحملات المغرضة التي تستهدف البلاد، وتنظيم جولات دبلوماسية شعبية يشارك فيها شخصيات مصرية مؤثرة لزيارة الدول الكبرى وعقد لقاءات غير رسمية مع المسؤولين والشخصيات العامة المؤثرة، وإنشاء منصات إعلامية متعددة اللغات تقدم محتوى موجهًا للجمهور الدولي يوضح الموقف المصري في مختلف القضايا ويواجه المعلومات المضللة، وبناء شبكة “أصدقاء مصر” في الخارج تتكون من شخصيات أجنبية داعمة لمصر تسهم في نشر الرؤية المصرية والتأثير على الرأي العام في مجتمعاتها، وإقامة فعاليات ثقافية ورياضية دولية تبرز الوجه الحضاري لمصر وتعزز من تواجدها على الساحة الدولية، وتنظيم لقاءات دورية مع البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر لخلق حوار مباشر حول القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتقديم دراسات وأبحاث إلى مراكز الفكر العالمية لدعم الموقف المصري في القضايا الدولية.

من خلال تنفيذ هذه الآليات، يمكن للجنة تحقيق العديد من النتائج الإيجابية، أبرزها تعزيز صورة مصر الدولية، وخلق أدوات جديدة للتواصل مع الشعوب والحكومات، ومواجهة الحملات الإعلامية التي تستهدف مصر، وتقديم خطاب إعلامي أكثر تأثيرًا، وبناء شراكات غير رسمية مع قوى سياسية واقتصادية دولية لدعم المصالح المصرية، ودعم موقف القيادة السياسية المصرية في الملفات الإقليمية والدولية، وتوسيع دور الجاليات المصرية في الدفاع عن مصالح مصر والترويج لها دوليًا.

إن إنشاء اللجنة الوطنية للدبلوماسية الشعبية يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز الدور المصري على الساحة الدولية، من خلال الاستفادة من الموارد البشرية والمقومات الثقافية والاقتصادية التي تمتلكها البلاد. فالدبلوماسية الشعبية ليست مجرد وسيلة تكميلية، بل هي أداة استراتيجية يمكن أن تساهم في تحقيق أهداف السياسة الخارجية المصرية، وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية ذات تأثير عالمي. من هنا، فإن تبني هذا المقترح على المستوى الرسمي، ودعمه بالإمكانات اللازمة، سيكون إضافة نوعية لمسار الدبلوماسية المصرية، وسيمكن مصر من مواجهة التحديات الدولية بفاعلية أكبر، ويعزز من تأثيرها في صنع القرار العالمي.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.