Take a fresh look at your lifestyle.

مصطفى نصار يكتب: أمريكا بين الامبريالية والانعزالية الرجعية.. ما بعد ترامب

21

بقلم – مصطفى نصار
 لعل ما أثار الجدل حول  تنصيب ترامب النبرة الواضحة في الانتقام من الجميع بما فيهم الداخل و الخارج على حد سواء، بدء من اليسار اللبيرالي، مرورًا بأوربا و كندا، وانتهاء بالمطبعين العرب مثل السعودية والإمارات ومصر بعد الحرب الإبـ ـادية الدائرة على مدار ١٥ شهر، ليصبح رجل السلام والانتقام الكلي وتصفية الحساب على أموال و مصالح المطبعين العرب و الأوربيين و حتى جارته الجنوبية و الشمالية تحت شعار واحد أمريكا أولا ، لينتهي بتجسيد عقلية التاجر المتمركزة حول ذاته و شعبه فقط دون سواهم .
 
وللمفارقة بدأ له أن بدء السياسات قبيل تنصيبه رسميًا من الإيجابيات ، فافتعل الأزمة على قناة بنما لإعادة احتلالها مجددًا ، و كذلك أعاد التفاوض مع الدنمارك في سعي منها للاحتفاظ بإدارة جزيرة جرينلاند الجزيرة الضخمة الرابطة بين أمريكا و المحيط الأطلسي ، مع مرونة درانماكية لزيادة عدد القوات العسكرية الأمريكية في الجزيرة إرضاء للأطماع الأمريكية نحو أوربا ، و ما يؤكد تلك الأطماع خروج أمريكا من اتفاقية المناخ ، و إعادة التنقيب في الحقول الأمريكية لزيادة الصادرات و تحقيق الاكتفاء الذاتي .
 
تنم تلك السياسة عن رفض ترامب القاطع لاتخاذ النهج المطلوب للاعتماد الكلي على موارد و مصادر الولايات المتحدة كما فعل هاري تورمان بنفس جملة الأفكار التي اعتمدها حتى نهاية الحرب العالمية الثانية ، مما قد يعكس رغبة دفينة لديه بجعلها قوة عظمى عبر الابتذال ، و الابتزاز الكبير لمختلف القوى العالمية بوقاحة و فجاجة التاجر الناجح كما أشار مايكل ساندل في كتابه الديمقراطية و سخطها حيث أن ترومان و روزفليت جعلا أمريكا عظيمة لكن على حساب الدول الاستعمارية الأخرى ، و بعد ذلك  ربطت العالم بالدولار عبر سرقة العالم و ربطه بالذهب ، فأصبحت أكبر احتياطي ذهب مسروق في العالم .
 
و كذلك فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي  ؛فترومان قدم لإسرائيل باعتباره يهوديًا ، و سهل الهجرة اليهودية و أمد إسرائيل بكمية كبيرة من الخبرات و الأسلحة ، مما جعلها آخر شكل من الاستعمارية المباشرة حول العالم . و جعلت تلك السياسة الدكتور جون ايدويس أستاذ التاريخ و السياسة في جامعة أكسفورد و أرزوينا يصفها بالتكوين الصلب و المتحجر بعيدًا عن لعبة السياسة و المصالح ، لذا فإن الشبه بين إعادة التفعيل لصفقة القرن بتعديلات كارثية تتضمن احتلال الضفة الغربية كاملة بحق مما قد يؤهل الضفة الغربية لمجزرة تتطور لإبادة جماعية مثل غزة  ، مفسرة سبب الحملة الوحشية للسلطة الفلسطينية على مخيم جنين باعتباره عربون خدمة ، و كذلك  الحقيقة الذي أنجزتها الباحثة السياسية نويل كالهون أن تلك السلطة محتلة أكثر من الاحتلال الإسرائيلي نفسه مما قد يمثل فرصة ذهبية للمحتل لزيادة المستوطنات ، و جاء هذا مقابل تنازلات إسرائيلية  بموافقة سمويترتش على الصفقة المتعلقة بغزة في مقابل الدور التوسيعي  للكيان اللقيط .
 
فمثلما جنت أمريكا على نفسها السلطة شبه المطلقة للعالم ، نتجت كوارث مدمرة مثل دخولها في حروب لا طائل منها ، و عداء دول أوربية لها في مقدمتها فرنسا و المانيا ، و لذا يؤكد ألكس شبهرد الكاتب المعروف في مقال له على مجلة thé new republic   أن نتيجة سياسات ترامب انهيار متسارع يلقي بالبلاد للهوة السحيقة .
 
ترامب الإمبريالي: الانتقام للجميع
 
للوهلة الأولى، يبدو دونالد ترامب من خطاب تنصيبه رغبته الدفينة من الانتقام من الجميع  بلا استثناء ، ليشمل هذا الشيء مختلف أنواع الدول الخارجية،  و حتى اليسار اللببرالي لعدة دوافع و منها إثبات قوة العقلية النيولبيرالية، مثلما أثبت الرجل من قبل في عام ٢٠١٨ عندما جعل السعودية تدفع ٤٥٠ مليار دولار على استثمارات و منتجات أمريكية ، و بذلك أثبت مقولة الاقتصادي ريتشارد وولف في كتابه الرأسمالية:اقتصاد الغرق “أن الابتزاز الانبطاحي سبيل “هادف مركزي للرأسمالية ، و بهذه الفجاجة تتحقق الشعوبية اليمينة التي لو تحققت لاحتالت العالم بأكمله من أجل دولة واحدة.  
و تشكل ملمح آخر من الانتقام في الحملة التجارية على المستثمرين التي تتمثل بقوة و تجلي حقيقي عندما هددهم أنه في حالة عدم تصنيع المنتجات عندهم ، سيضطرون لدفع تعريفة جمركية حاكمة و باهظة الثمن ستضطرهم لإغلاق مصانعهم في الخارج ، أو على أقل تقدير توزيع المصانع قدر الإمكان بحيث تفتح لديه و تنتج بكثرة و غزارة منقطعة النظير، مما سيقضي على فرص العولمة الاقتصادية و السياسية التي يتغني بها اليسار اللببرالي المتطرف تحت شعارات الحرية الاقتصادية و حرية الأسواق ، لتصبح مثلما أخبرنا الفيلسوف الماركسي ماثيو كيرب أن العقلية الترامبية وتجلياتها ستنتج عزلة “عامة تطحن المخالفين”.
 
و ذلك متسق مع سياسة الإمبريالية التي تشرب بها ترامب حتى النخاع ، ليتبلور الرؤية الانتقامية لتطول اليسار كذلك حينما أعلن أن هناك فقط جنسان ذكر و أنثى  مما عدها اليساريون عنصرية مقيتة و تحيز ، و لعل إيلون ماسك مع الفريق المحافظ مع ترامب لإنهم قد اكتووا بنيران الأيدولوجيا الجندرية المتطرفة، متضمنًا المناهج المدرسية من أول الابتدائية،  حتى الثانوية. و إذا أفلتت من الأيدولوجيا المتطرفة طيلة الفترة ، فمن غير الممكن أن يفلت أبنائك من تلك الأيدولوجيا لوجود القوانين المحفزة و المجيزة للتحول من سن ٦ سنوات ، و لهذا ينتقم ترامب بفاشية و إمبريالية مستحقة بحق من الضبابية و التشوه الجسيم الذي افتعل على مدار السنوات الماضية خلال إدارة جو بايدن .
 
و غالبًا ما يقترن ذلك بعدة إجراءات موازية و متمشية مثل تغيير المناهج و ردع التوغل، وحظر المواقع الإباحية قدر الإمكان في الولايات التي يرأسها عمد و محافظين من التوجه الجمهوري أو اليميني ، و بهذا سيحدث حماية صلبة على أساس من الحفاظ على الحرية الفردية وفقًا للنسق اللبيرالي التقليدي . أما بالنسبة لمعاونيه و فريقيه المقترح فلا يوجد منه أي معارض لتلك السياسات الإنعزالية التي توققع الدولة حول ذاتها ، و تحول لمجرد حفنة من الشركات وفقًا لجيفري ساكس الخبير الاقتصادي ، غرضها الأول تغذية الدولة و زيادة أرباحها ، لكن يظل هذا النهج غامضًا إذ أن الانعزالية الترامبية ليست بتلك القوة و الصلابة للاستمرار.
 
أما بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي والعرب، فإنه انتقم ، وقد يزيد وتيرة السياسات الانتقامية من مصر عبر فرض عقوبات محتملة بحجة اختراق اتفاقية السلام،  و تحميل السعودية أضرار الحرائق ، و إعادة إعمار غزة كاملة بجعلها تدفع دخلها المحلي الإجمالي لمدة عام المقدر بتريليون دولار في ظل تصاعد الفقر في السعودية بنسب تتراوح بين ١٥ و ٢٠%، ولضغط لتقبل تعديلات صفقة القرن المشبوهة.
 
النهاية الحتمية لترامب: مصير الشعبوية الأقرب
 
يشير الباحث و أستاذ العلوم السياسية  هانز فيرنر مولر في كتابه ما الشعبوية لنهاية النموذج الذي يمثله اليمين بقوة لأربعة سينايورهات محتملة ، الأول الفشل الذريع ، الثاني النجاح القائم على التضخيم الإعلامي ، الثالث و هو أندرهم النجاح القائم على الخطط و الاستراتيجية ، و الأخير هو السقوط الحر لصالح الخصم و تدخل الفاعلين الدوليين لردعه مثلما حدث مع ألمانيا النازية ، حتى قال كارل شميت في مذكراته أن هتلر كلف ألمانيا مجدها على حساب مستقبل أوربا الحقيقي ، و للعلم الفيلسوف شميت مثل حجر زاوية لمنظومة هتلر القانونية.
 
و يظل بذلك المبدأ المصير الأقرب للشعبوية الانهيار أو في أفضل أحوالها خراب قطاعات واسعة من الدولة بذريعة عدم العلم ، و الصورة القائمة لترامب الآن قائمة على الانتقام العنيف من الجميع جالبًا لأمريكيا على الأرجح كوارث مدوية ، أو على الأقل عزلة تحولها من إمبريالية لأقل من دولية متمحورة حول مصالحها.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.