Take a fresh look at your lifestyle.

بهجت العبيدي يكتب: لماذا يرفض المصريون استقبال أبناء غزة؟

18

بقلم: بهجت العبيدي

لطالما كانت مصر عبر العصور ملاذًا آمنًا لكل من اضطرته الحروب والنكبات إلى النزوح من وطنه. فلم تتوانَ مصر يومًا عن فتح أبوابها لأشقائها العرب، سواء كانوا من السودان المنكوب بالاقتتال، أو سوريا التي عصفت بها الحرب الأهلية، أو العراق واليمن الذين أنهكتهما التدخلات الأجنبية. ولم تتوقف حدود الأخوة عند العرب فقط، بل امتدت لتشمل الأشقاء الأفارقة، كما فتحت مصر ذراعيها تاريخيًا لجاليات أوروبية فرت من ويلات الحروب، معتبرة أن واجبها الأخلاقي والإنساني لا يقتصر على حدود العرق أو الدين.
ولكن حينما يأتي الحديث عن استقبال أبناء غزة، فإن موقف مصر يبدو مختلفًا. إن هذا الموقف لا يقل أخلاقية وإنسانية، بل على العكس تمامًا، ينطلق من رؤية وطنية وسياسية عميقة ترتبط بمصلحة الشعب الفلسطيني أولًا، وبالحفاظ على جوهر القضية الفلسطينية ثانيًا. إن رفض مصر لاستقبال أبناء غزة لا يعبر عن تخليها عن مسؤوليتها تجاه الشعب الفلسطيني، بل ينبع من التزامها التام بقضيته ورفضها لكل المحاولات التي تسعى إلى تفريغ القطاع من سكانه، وهو ما يصب في مصلحة مخططات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية بشكل مباشر أو غير مباشر.
إن هذا الموقف يتماشى تمامًا مع قرارات الشرعية الدولية التي تؤكد على حل الدولتين كإطار لإنهاء الصراع. فاستقبال الفلسطينيين في مصر قد يُستخدم كذريعة لتغيير التركيبة السكانية لقطاع غزة، مما يعني ضمنيًا التخلي عن حقوق أهله في الأرض التي تمثل جوهر قضيتهم.
لقد كانت القضية الفلسطينية دائمًا في قلب السياسة المصرية. فمنذ نكبة عام 1948 وحتى يومنا هذا، قدمت مصر تضحيات جسيمة دفاعًا عن حقوق الفلسطينيين. فكل الحروب التي خاضتها مصر في العصر الحديث، بدءًا من حرب 1948، مرورًا بحرب 1956 و1967، وصولًا إلى نصر أكتوبر عام 1973، كانت دفاعًا عن فلسطين وشرف الأمة العربية. واليوم، تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تخوض مصر حروبًا سياسية ودبلوماسية لا تقل ضراوة. ففي كل المحافل الدولية، تعمل مصر لضمان حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة، والتأكيد على أن هذه الحقوق غير قابلة للتنازل أو التفريط.
إن الموقف المصري يرسل رسالة واضحة للعالم: أن مصر دولة كبيرة لا تقبل الإملاءات ولا ترضخ لأي ضغوط، حتى لو جاءت من قوى كبرى كالإدارة الأمريكية، التي عبر رئيسها الجديد القديم دونالد ترامب عن رغبته في تهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن. وعلى الجميع أن يدرك أن مصر، بشعبها وقيادتها، ترفض أي محاولة لفرض أمر واقع على أرضها أو على أشقائها الفلسطينيين.
لا أحد يستطيع المزايدة على مواقف مصر الثابتة من القضية الفلسطينية، ولا على التضحيات التي قدمتها من أجلها. إن مصر لا تنظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها مجرد ملف سياسي، بل تراها قضية شرف وأخوة. ومن هذا المنطلق، ستظل مصر تعمل بكل قوة لتحقيق حلم الفلسطينيين في دولتهم المستقلة، ولن تسمح لأي طرف بالتفريط في حقوقهم أو محاولة الالتفاف عليها.
إن رفض المصريين استقبال أبناء غزة ليس تخليًا عن دورهم الأخلاقي والإنساني، بل هو امتداد له. فمصر، بشعبها وقيادتها، تدرك أن مسؤوليتها التاريخية تجاه فلسطين لا تقتصر على المساعدات أو التسهيلات المؤقتة، بل تتعداها إلى الحفاظ على جوهر القضية وضمان حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.