Take a fresh look at your lifestyle.

رمضان الأقصري يكتب: أخلاق ومبادئ الوطني الحقيقي

15

بقلم رمضان الأقصري

إن الوطني الحقيقي يكون وفيًّا أعظم ما يكون الوفاء لوطنه ، محبًّا أشد ما يكون الحب له ، مستعدًا للتضحية دائمًا في سبيله بنفسه ونفيسة ، ورخيصة وغالية ، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه ، حب الوطن أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك ، حب تدعو إليه الفطرة ، وترحب به العقيدة ، وتؤيده السنة ، وتجمع عليه خيار الأمة . فيا له من حب .
إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة والتزام أخلاقي للفرد والأمة ، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في أرجائه.

ومن أجل الوطن تضحي بكل غالٍ ونفيس ، أن الطيور تعيش في عشها في سعادة ولا ترضى بغيره ولو كان من حرير ، والسمك يقطع آلاف الأميال متنقلاً عبر البحار والمحيطات ثم يعود إلى وطنه ، فالكل يحب وطنه ، فإذا كانت هذه سنة الله في المخلوقات .

فقد جعلها الله في فطرة الإنسان ، لذلك كان من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام والتي غرسها في فطرة الإنسان حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيرها ويعبد الله تحت سمائها ، وأول هذه الحقوق الحب الصادق لهذا الوطن .

لقد وقف النبي ﷺ يُخاطب مكة المكرمة مودعًا لها وهي وطنه الذي أُخرج منه ، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ – رضي الله عنهما – أنه قال : قال رسول الله ﷺ لمكة : ” ما أطيبكِ من بلد ، وأحبَّكِ إليَّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ ” ( رواه الترمذي )

قالها بلهجة حزينة مليئة أسفًا وحنينًا وحسرة وشوقًا ، مخاطبًا إياها : ” ما أطيبكِ من بلد ” .

ولولا أن رسول الله ﷺ وهو مُعلم البشرية ، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُّ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه ، ولأصبح الوطن لفظًا تحبه القلوب ، وتهواه الأفئدة ، وتتحرك لذكره المشاعر .
ولما بلغ النبي ﷺ الجحفة في طريقه إلى المدينة اشتد شوقه إلى مكة ، فأنزل الله عليه قوله ” تعالى ” : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) [ القصص : ٨٥ ] ، أي لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها .
يتوجه الخطاب إلى رسول الله ﷺ ومن خلفه القلة المسلمة التي كانت يومها بمكة ، يتوجه الخطاب إلى رسول الله ﷺ وهو مخرج من بلده ، مطارد من قومه ، وهو في طريقه إلى المدينة التي لم يبلغها بعد ، فقد كان بالجحفة قريبًا من مكة ، قريبًا من الخطر ، يتعلق قلبه وبصره ببلده الذي يحبه ، والذي يعز عليه فراقه لولا أن دعوته أعز عليه من بلده وموطن صباه ، ومهد ذكرياته ، ومقر أهله ، يتوجه الخطاب إلى رسول الله ﷺ وهو في موقفه ذلك : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ) ، ( سورة القصص : ٨٥ ) .
وعندما هاجر إلى المدينة ، واستوطنها ألفها ، بل كان يدعو الله أن يرزقه حبها ، كما في الصحيحين : ” اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد ” ( رواه البخاري ) .
فهو يدعو الله بأن يرزقه حب المدينة أشد من حبه لمكة ، لاستشعاره بأنها أصحبت بلده ووطنه التي يحن إليها ، ويسر عندما يرى معالمها التي تدل على قرب وصوله إليها ، ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها ، كما في الصحيحين : ” اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلت بمكة من البركة ” ( رواه البخاري )
وفي مسلم : ” اللهم بارك لنا في تمرنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ، وبارك لنا في مدنا ، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك ، وإني عبدك ونبيك ، وإنه دعاك لمكة ، وأنا أدعوك للمدينة بمثل ما دعا لمكة ، ومثله معه ” ( رواه مسلم ) .
ومن دعاء إبراهيم ” عليه السلام ” لمكة ودعاء محمد للمدينة يظهر حبهما لتلك البقعتين المباركتين ، اللتين هما موطنهما ، وموطن أهليهما ، ومستقر عبادتهم .

لقد اقترن حب الأرض في القرآن الكريم بحب النفس ، قال تعالى :

: ( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ )[ النساء : ٦٦ ] ، واقترن في موضع آخر بالدين : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) [ الممتحنة : ٨ ] ، كل هذا يدل على تأثير الأرض ، وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن والديار .
إن ارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس ، فهو مسقط الرأس ، ومستقر الحياة ، ومكان العبادة ، ومحل المال والعرض ، ومكان الشرف ، على أرضه يحيا ، ويعبد ربه ، ومن خيراته يعيش ، ومن مائه يرتوي ، وكرامته من كرامته ، وعزته من عزته ، به يعرف ، وعنه يدافع ، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع ، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها ، ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه ، كما حصل لنبينا محمد ﷺ عندما أخرجه الذين كفروا من مكة ، قال تعالى : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) [ التوبة : ٤٠ ] .

وكما حدث لموسى ” عليه السلام ” قال الله تعالى : ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً ) [ القصص : ٢٩ ] ، قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي : ” قال علماؤنا : فلما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحن إلى وطنه ، وفي الرجوع إلى الأوطان تقتحم الأغوار ، وتركب الأخطار ، وتعلل الخواطر ” .
ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس ، صعبًا عليها ، فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل الله ، فللمهاجرين على الأنصار أفضلية ترك الوطن ، ما يدل على أن ترك الوطن ليس بالأمر السهل على النفس ، وقد
مدحهم الله سبحانه على ذلك فقال تعالى : ( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ ) [ الحشر : ٨ ] .
إن بلالاً رضى الله عليه الذي ضحى بكل شيء في سبيل عقيدته ودينه هو بلال الذي كان يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة :

وأخرج الأزرقي في ” أخبار مكة ” عن ابن شهاب قال : قدم أصيل الغفاري قبل أن يضرب الحجاب على أزواج النبي ﷺ ، فدخل على عائشة ” رضي الله عنها ” فقالت له : يا أصيل : كيف عهدت مكة ؟ قال : عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها ، قالت : أقم حتى يأتيك النبي ، فلم يلبث أن دخل النبي ، فقال له : ” يا أصيل : كيف عهدت مكة ؟ ” ، قال : والله عهدتها قد أخصب جنابها ، وابيضت بطحاؤها ، وأغدق إذخرها ، وأسلت ثمامها ، فقال : ” حسبك ” يا أصيل ” لا تحزنا ” . وأخرجه باختصار أبو الفتح الأزدي في كتابه ” المخزون في علم الحديث ” .

أرأيت كيف عبر النبي الكريم محمد ﷺ عن حبه وهيامه وحنينه إلى وطنه بقوله : ” يا أصيل : دع القلوب تقر ” ، فإن ذكر بلده الحبيب الذي ولد فيه ، ونشأ تحت سمائه وفوق أرضه ، وبلغ أشده وأكرم بالنبوة في رحابه ” أمامه يثير لواعج شوقه ، ويذكي جمرة حنينه إلى موطنه الحبيب الأثير العزيز .

أرأيت كيف أن الصحابة المهاجرين ” رضوان الله عليهم أجمعين ” كانوا يحاولون تخفيف حدة شوقهم وإطفاء لظى حنينهم إلى وطنهم بالأبيات الرقيقة المرققة التي تذكرهم بمعالم وطنهم من الوديان والموارد والجبال والوهاد والنجاد ” .

كما قال شوقي :
وطني لو شغلت بالخلد عنه * نازعتني إليه بالخلد نفسي

فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الخيانة والعبث بمقدراته ، والعمالة لأعدائه ، وتأجيج الفتن والصراعات بين أبنائه ، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة .

أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها ، وترعرعوا في رباها ، واستظلوا تحت سماها ، وكانت أرض الإيمان والتوحيد والعقيدة الصافية .

  • ومن حقوق الوطن أن يسعى كل فرد فيه للحفاظ عليه وتنميته وازدهاره ، ليشعر جميع أفراده أنهم متساوون في الحقوق والواجبات ، لا فرق بينهم ولا تمايز ، فحب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات ، بل هو مرتبط بسلوك الفرد المحب ارتباطًا لا انفكاك منه ، يلازمه في كل مكان ، في حله وترحاله ، في المنزل والشارع ، في مقر عمله وفي سهوله ووديانه .
  • حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه ، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته ، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته ، وفي الاهتمام بنظافته وجماله ، حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه ، والموظف في إدارته ، والمعلم في مدرسته ، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات ، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته ، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه ، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه .

حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع ، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا ، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق ، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا ، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة .

حب الوطن ليس كلاما أنما قولا وفعلا وعملا .
حتي تعرفوا قيمة الوطن أسالوا من فقد الوطن تراه كاليتيم الذي فقد والديه وأهله وأصبح وحيدأ ولن تعوضة لا الشعوب ولأ الاحباب ولأ المال عن فقدان الوطن .
ارفع رأسك فوق وأفتخر بأنك مصري .

اللهم احفظ مصر وشعبها وجيشها والأزهر الشريف ورئيسها والأمة العربية من الغدر والخيانة واعداء الوطن .

الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة .
والحمد لله الذي جعلني من أمة سيد الخلق أجمعين .

اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وقدوتنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ” كثيرا ” عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك .

رمضان الأقصري رمضان الأقصري رمضان الأقصري رمضان الأقصري رمضان الأقصري رمضان الأقصري

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.