Take a fresh look at your lifestyle.

مصطفى نصار يكتب: الانتصار المدوي و الهائل

7

في الإذلال انقسام : الهدنة تزيد التشتت الإسرائيلي في الأصل .

عقب السماع عن بدء تنفيذ الهدنة في يوم الجمعة ١٦ يناير ، نشبت فوضى سياسية و تمزق عارم و عميق في الكيان الإسرائيلي بسبب وقف إطلاق النار و بنود الهدنة المذلة المكونة من ٣ مراحل ، الأولى و الثانية مدتها ٤٢ يوميًا يفرج فيها عن جميع الأسرى الفلسطينين و الرهائن الإسرائيلين فيما عدا النخبة المحجوزة من حماس ، مع السماح بإدخال ٦٠٠ شاحنة ، ٥٠ منهم على الأقل مليئة بالوقود و نصفهم للشمال المحاصر المجوع . أما بالنسبة للمرحلة الأخيرة منها ، فتتساوى في المدة الزمنية مع اختلاف يكمن في الإفراج عن رفات الجثث و أجساد الشهداء مع الأسرى الرئيسين في حماس و فتح .

علاوة على ذلك،  فإن هجوم الإعلام العبري الشديد على نتنياهو يوضح معالم الأزمة و الهزيمة الكاملة للكيان اللقيط  ، لدرجة اعتبر جوريا آيلاند صاحب خطة الجنرالات و الجنرال المتقاعد أن تلك الهزيمة “مدوية و ضخمة “، و كذلك الأمر مشابه مع المحلل الإسرائيلي يائير أوسولين “أن إسرائيل ستفشل حتى و لو احتلت الشرق الأوسط كله “. و نتيجة لذلك،  شبت حرب إعلامية بين الوسائل الإعلامية المؤيدة لنتنياهو ، و المعارضة له بالفعل مثل يعقوب برادغوو و نوعم أمير الذي بخلاف بعضهما البعض وصفا أحدهما الصفقة بإنها تمت تحت “ضغط متعدد الأبعاد “، بينما الآخر المعارض في قناة كان و i24   اعتبرها يوم حزين ، و هزيمة نكراء للكيان ، معبرا عن هزيمة متعددة الأبعاد و متفقًا مع اليمين المتطرف .

و لبيان قلقه الزائد ، و فزعه الهائل ، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن قائمة من الأسماء المقلقة من القادة الذين سيحلون محل السنوار بحسب تعبير القناة ال١٢ العبرية ، و هم كالآتي عباس السيد ، حسين سلامة ، مروان ، و عبدالله البرغوثي ، و كذلك أحمد سعيدات لما يملكونه من ذكاء قيادي ، و قدرة على فهم عقلية المحتل و التعامل معه ، متأخذين نهجًا السيطرة الهادئة و التخطيط طويل المدى لما سيشل إسرائيل ، و يطور إمكانيات حماس القتالية ، و الاستراتيجية مما يضع الاحتلال قيد اختبار صعب ، و محدود الأبعاد إما بوقف الصفقة بشكل قطعي أو محاولة تعطيلها في آخر مرحلة فيها ، مثلما أشار الأستاذ الفخري للعلوم السياسية راجان مينون،  و الاستاذة ميركيا سيلنبيكسز . يضع المكر و القلق الإسرائيلي المقاومة في اختبار حقيقي لإكمال الصورة الكاملة للنصر دون رجوع للحرب في أي وقت مستقبلي قريب سواء في المرحلة الثانية أو الثالثة .

و لم يتوقف الانقسام المذل على المستوى الإعلامي،  و الأكاديمي  فحسب . إنما تخطى وصوله المستوى السياسي ، و الاجتماعي حيث هدد بن غفير بالاستقالة يوم السبت ، فيما فعلها بعدها بيوم حسبما ذكرت رويترز مما يعني إسقاط حكومة نتنياهو الأكثر تطرفًا منذ أن زرع في الشرق الأوسط ، متوازية مع المظاهرات المشتعلة من المستوطنين المتطرفين الذين يدعمون  بن غفير و سموطيش . تدل كل تلك الأحداث العظيمة على تأكيد أطروحة الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه انهيار إسرائيل من الداخل أن إسرائيل مفتتة و مقسمة على ذاتها  نظرًا لإنها دولة انشطارية  تنم عن جذرية عميقة بين الطرفين الحاكمين .

نصر المستضعفين حق علينا :سنة التاريخ تتحقق في غزة بأبعادها الكاملة .
لعل مشهد خروج المثلمين في سيارات الدفع الرباعي و مشيهم بجانب الناس مفرع لأبعد حد لإسرائيل لما يملكه من فشل ذريع ، ممثلًا بذلك مشهدًا بالنصر الإعجازي و الإعزاز المهول الذي أثبت في التاريخ البشري كافة بحق ، فليس هناك إثبات قوة و منعة أكبر من ذلك الاحتفاء الشعبي ،الذي خلل أركان الاحتلال داخليًا.  عطفًا على ذلك ، فإن إخفاق الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق أهدافه يثبت عدم انتصاره في الحرب الذي حدد لها أغراض مستحيلة و غير قابلة للتحقق أو التطبيق تاريخيًا.

و لكشف اللثام عن الصورة ، لم تكن الحرب الإبادية متكافئة بين طرفين عسكرين بكامل العداد و الدعم العسكري و المعنوي،  بل ما حدث العكس تمامًا.  هوجمت حماس بضاروة و شدة من الإعلام العبري الناطق باللغة العربية ، و الغربي ليكشف عن معادلة مفادها أن انتصار إسرائيل غاية لا فرار منها و إلا ستصيبنا عدوى السقوط ، و حبكت قصص ملفقة منحطة لإنها لا تمثل أخلاقيات حماس الإسلامية التي يعطي فرحة الأسيرات سواء في الهدنة الأولى أو الثانية عن نبل و رقي المعاملة و الأسلوب المهذب التي  جعل الأسيرات المفرج عنهن أمس يصرن على حمل التذكارات و شهادات التقدير من حماس .

أما على المستوى العسكري ، ففرضت حماس شروطها على الصهاينة ، مكلفة إياها خسائر بشرية تقدر ب ٣٥ ألف جندي قتيل ، و مئات الآلاف من المصابين ثلثهم على الأقل مصاب بأزمات نفسية و عاهات مستديمة ،فضلًا عن حالات الانتحار الكثيفة و الكبيرة التي كتبت عنها هيئة الطب النفسي ، بالتعاون مع الجامعة العبرية دراسة تفيد بأن ثلث الجنود لا يريدون الحرب في غزة مجددًا و كذلك نصفهم يفضلون الحرب في مواقع أخرى بخلاف غزة ، مع تدمير آلاف الدبابات الميركافا و مدرعات النمر التي تكلف ٤ مليون دولار بقذائف مصنوعة في غزة سواء الياسين أو بندقية الغول .

ففي المستوى السياسي كذلك ، عمقت المقاومة أطروحة الحق يسعى له بالقوة ، ناهية بذلك عدو إرهابي دموي بربري لا أخلاق له ، مع محاولة التبريرات و الحجج لإحكام الحصار و ممارسات التطبيع الخبيثة ، و زيادة المعاملات التجارية العربية في زيادة الاستيراد و التصدير بنسب تتراوح بين ٢١ و ٥٠% لتراهن الدولة العربية بكافة أقطارها على رهان خاسر في الأصل ، لم تتعلم من التاريخ القريب بدء من الفيت كونج في فيتنام ، و نهاية بفشل أمريكا في أفغانستان و سقوط نظام بشار الأسد في زمن قياسي .

و في حقيقة الأمر، كتبت حماس سطر يثبت في كتب التاريخ و السنن الكونية أن نصر المستضعفين حق أصيل و أن للحق قوة لا تفسرها القوانين الطبيعية أو المنطقية كما أن الموازيين العسكرية تقرها ، فعلى سبيل المثال لا الحصر يتفق الفيلسوف جان غيتون في كتابه الفكر و الحرب مع المؤرخ غوين داير في كتابه موجز تاريخ الحرب في أن الإيمان القوي و الإصرار الشديد و الهمة العالية مصدر حقيقي وواقعي للنصر عبر التاريخ . يختلف الأمر في حالة الجماعات التحريرية لطبيعتها المختلفة و قدراتها على إعادة ترتيب و تجنيد و تجاوز الخسائر بمنتهى اليسر لاعتمادها الجوهري على الحاضنة الشعبية التي اعترفت بها الأكاديمية البريطانية بيفرلي هاملتون مؤكدة في شهر يونيو الماضي أن حماس انتصرت و غير قابلة للهزيمة.

الضغط الشديد الأمريكي على إسرائيل: إعادة ترتيب أوراق .

في سابقة أولية و تاريخية ،ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل للقبول بالصفقة و ذلك عبر العديد من الإجراءات الصارمة و القاسية ، متضمنة إرسال ترامب مبعوثه الخاص لإسرائيل للضغط على نتنياهو للقبول باالموافقة المهنية أمريكيًا ، حتى اعتبر الكاتب مارون رانبورت ذلك دليلًا على إبقاء القضية قيد الفتح ، و إنهاء التعامل معها بمنطق المكر الاستخباراتي التي فشلت فيه أيضًا على كافة الأصعدة من تجاهل التحذيرات المبكرة من قبل حدوث الطوفان و المعلومات المغلوطة عن الأسرى و أماكنهم،  و انتهاء بانهيار استراتيجية الردع و العقيدة العسكرية الأمريكية تجاه الاحتلال نفسه .

و من وجهة نظر واقعية ، يمتلك ترامب إرثًا ثقيلًا تركه له بايدن من مشكلات هيكلية في الاقتصاد و مشاكل الحرائق  و تفشي أيدولوجية الجندر المتطرفة  في مختلف أرجاء الحياة الأكاديمية و المدارس بكل تصنيفاتها الواسعة ،فضلًا عن الحرائق المتسعة و الشاملة لكافة غابات كالفورنيا و مدينة لوس أنجلوس كاملة ، مكلفة خسائر فادحة تقدر حاليًا بحوالي ٣٠٠مليار دولار . علاوة على ذلك ، يود ترامب الاهتمام بخفض معدلات التضخم و التصدي لارتفاع سعر الدولار بسبب الحرب التجارية على الصين من دون الانشغال الأولي بالأزمات الدولية لمنطقة الشرق الأوسط في بداية حكمه على أقل تقدير .

و بخلاف الصورة النمطية التي يوصم بها في العالم أجمع بأنه مجنون شعبوي ، يسعى ترامب خلال تلك الفترة للظهور بمظهر الحر الديمقراطي الذي لا يقصي و لا يريد غير التعايش و الاستقرار و السلام الدولي بغية الفوز ، على منوال الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بنوبل للسلام في عام ٢٠٢٠، و لهذا السبب سيجعل أوكرانيا توقف حربها بوتيرة متسارعة مع روسيا في مقابل تنازلات كبيرة، و لكن ألاعيب في التفكير في الشرق الأوسط الجديد خبيثة و لا يؤمن منها طفل .

و قد مثل ترامب ، و ما يزال، نموذج الاقتصادي الصهيوني الانعزالي الثوري صاحب الفخر و التباهي بسياساته المتطرفة الشعبوية الممزوجة بالتدين الصهيوني و الانعزالية الثورية بحد تعبير شلومو بن آمي ؛ مما يعكس بالفعل بيانًا للسياسة الدولية ، و خاصة في الشرق الأوسط، و هو ما لم تسمح بمروره الحركة الخضراء في سورية و غزة و الضفة الغربية المحتلة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.