Take a fresh look at your lifestyle.

تامر الشهاوي يكتب: المجتمع السياسي المصري من الخديوي توفيق وحتى الرئيس السيسي

39

عبثًا حاولت على مدار سنوات أن أفهم طبيعة التركيبة السياسية المصرية ربما ساعدتنى طبيعة عملى السابقة لسنوات طويلة ذات الارتباط بمتابعة النشاط الدينى والسياسى أن أُبنى فكرة عميقة عن التركيبة السياسية المصرية، ولكن كانت دائماً تجذبني الفكرة لمحاور أخرى لا بد من دراستها لتفهم طبيعة هذه التركيبة، لذا كانت تقفز دائمًا الدراسات الإنسانية وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس السياسى إلى مقدمة البحث وطالما تطرقت إلى تلك المحاور فكان لا بد من ربطها مع الحراك السياسى الذى شهدته البلاد على مدار عقود وكيف كانت العلاقة بين الشعب والأحزاب السياسية، بل كيف كانت العلاقة بين الشعب والفكرة السياسية نفسها؟.. وهل يتفهم الجموع الشعبية أن الغرض من أي جماعة أو حزب سياسي هو الوصول الى الحكم ؟؟.

أجهدتني الدراسة فى الواقع على الرغم من كوني قد قمت عام 2000 بكتابة بحثى الأول تحت عنوان (الحالة الدينية فى مصر) من ثلاثة أجزاء وأكثر من 1500 صفحة، ومدعوم بالمستندات ولكنه كان يتناول تيارات وجماعات العنف والإسلام السياسى وأصولها وجذورها وهو ما دفعنى وقتئذ للتطرق فى بحثى للحراك السياسي المصري.

لاشك أن مصر الدولة القديمة ذات النظم السياسية الراسخة مرت بعدد من المتغيرات السياسية فى عهودها القديمة والحديثة على حد سواء زادتها رسوخاً بل ربما كانت مسيرتها نهجاً اتبعه عدد من دول الجوار الإقليمي، بل وشارك أبناء مصر فى وضع أسس تشريعية ودستورية لعدد من دول المنطقة.

تابعت البحث وأرهقني المتغيرات المتلاحقة التي أحاطت بالمجتمع المصرى خلال المائة عام الأخيرة؛ من وجود للمحتل الإنجليزي، تخللها هزيمة عسكرية عربية في فلسطين عام 1948، كنا أحد أطرافها، أعقبها تحرك ثورى ضد نظام الحكم الملكى، مرورًا بفترة حكم الرئيس ناصر، وما تخللها من أطروحات ثورية ونهضة صناعية وطنية، وفى المقابل مواجهات عسكرية أعوام 56 و 64 فى اليمن و67 مع إسرائيل، وانتقالاً إلى حكم السادات وما تخلله من ثورة وحرب واتفاقية للسلام، وانتقالاً إلى عهدٍ طويلٍ ربما أطول فترة حكم فيها رئيس لمصر وهى فترة حكم الرئيس مبارك، التى انتهت بتحركات ثورية عنيفة كادت تطيح بالبلاد ولولا يقظة المصريين، ونهاية بحكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، فى فترة ولايته الثانية التي بدأت عام ٢٠١٨.

ما طرحته زمنيًا أقل من المائة عام بقليل، ولكن بحسبه بسيطة تجد أن مصر خاضت ما يقرب من 7 حروب فى 70 عام تقريبًا، واجتاحها 4 ثورات فى نفس الفترة بخلاف حروب إقليمية متعددة أثرت عليها بشكل مباشر، فضلاً عن وضعها ما يقرب من 7 دساتير و6 إعلانات دستورية بمثابة دساتير.

والقصد بأستعراض تلك المتغيرات باعتباره مدخلاً هاماً للمتغيرات التي أثرت الحياة السياسية فى مصر خلال تلك الفترة في مصر حتى عام 1897 لم يكن بها مجتمع سياسى بالمعنى المفهوم، أو بالاحرى بالمعنى الحالي، وكانت بداية ظهورها على شكل جمعيات سرية أرجعها البعض إلى البعثات التعليمية التي أرسلت إلى أوروبا آنذاك، ونفوذ العلماء الفرنسيين فى مختلف فروع العلوم وأيضاً وكان هذا من أبرز العوامل التي دفعت المثقفين وغرست لديهم شعور بإمكانية تحسين الأحوال وتطويرها، وصعدت معدلات السخط العام تجاه النفوذ الأجنبى فى مصر فى تشكيل تلك الجماعات السرية التي مثلت أساس الظاهرة الحزبية فيما بعد شكلاً من أشكال التنظيم والمبادئ الهادفة لتطوير أسس الحياة العامة، فالحزب الوطنى على سبيل المثال بدأ على شكل جمعية سرية باسم (جمعية مقاومة النفوذ الأجنبي) عام 1897، وتولى بعد ذلك الزعيم مصطفى كامل، رئاسته وكان اتجاه عام ضد الاحتلال الإنجليزى والنفوذ الأجنبي.

إن ظهور الأحزاب بالمعنى المتعارف عليه حالياً كان فى الفترة من العام 1907 حتى العام 1914، والتى تسمى بالتجربة الأولى للتعددية الحزبية، والتى أظهرت الحزب الوطنى وصحيفته اللواء والحزب الوطنى الحر، الداعم للمستعمر، وجريدته المقطم، وحزب الأمة وجريدة الجريدة، وظهرت بعد ذلك عدة أحزاب لم يكن لها شعبية كبيرة، ثم بدأت التجربة الحزبية الثانية عام 1919، والتى تمخض عنها انطلاق حزب الوفد، والذي انشق عنه بعد ذلك حزب الأحرار الدستوريين، والهيئة السعدية، والكتلة الوفدية، كما شهدت تلك الفترة ظهور أحزاب أخرى تعتنق الفكر الشيوعى واليسارى.

نتيجة لهذا الحراك المستمر والانهيار الحادث للدولة العثمانية فى ذلك الوقت؛ شهدت ولادة حركة الإخوان المسلمين وبدأت الحركة في الأوساط السياسية كبديل سياسي استطاع تقديم نفسه للوسط السياسي كجزء من الخارطة السياسية المصرية وقتئذ.

أدت ثورة المصريين فى 23 يوليو 1952، لإصدار المرسوم بقانون رقم 179 لتنظيم الأحزاب السياسية، ولم يستمر العمل به سوى 4 أشهر، ثم جاء قرار مجلس قيادة الثورة فى يناير 1953، منهياً للحياة الحزبية فى مصر وبداية مرحلة التنظيم الأوحد، ثم جاء دستور 1953، مؤكداً على التنظيم الأوحد (الاتحاد الاشتراكى)، والاتحاد القومي فى 28 مايو 1957، والذى كان سلطة مستقلة بذاتها عن السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وقد أثمرت تلك التجربة السياسية على العديد من النواحي السلبية وأهمها حالة الفراغ السياسى التى انتابت المجتمع السياسى.

جاء السادات، وأصبح لزاماً عليه نتيجة لعدة عوامل أن يعيد للحياة السياسية توازنها من جديد، وكانت أهم العوامل التي دفعته الى ذلك بناء قاعدة شرعية بعد غياب الرئيس عبدالناصر، الذى أدى إلى فراغ داخل النظام السياسى بالإضافة إلى حالة الغضب الشعبى التى صاحبت هزيمة 1967، وتنامي النشاط السياسى بشكل عام خلال تلك الفترة وصعوبة جمع كل القوى السياسية فى تحالف واحد، فضلاً عن حالة الضعف التي أصابت الاتحاد الاشتراكى والتغيير الحادث فى أوجه السياسة الخارجية المصرية والانفتاح الاقتصادي وعودة السوق الرأسمالية، وكلها أمور دفعت السادات، إلى العودة للتجربة التعددية، ورافقتها بالطبع فكرة الممارسة السياسية وهو ما تبلورت عنه نصوص دستور 1971، فى حق تكوين الأحزاب السياسية، إلا أن نتيجة لانشغال الدولة فى الإعداد لحرب التحرير، لم يظهر القانون إلى النور إلا عام 1977، وهو القانون رقم 40 الخاص بالأحزاب السياسية.

شهدت فترة حكم الرئيس الأسبق مبارك، سيطرة الحزب الوطنى على مقاليد الأمور بشكل كامل، أدى ذلك إلى تراجع دور الأحزاب السياسية فى مصر وافتقارها إلى المرونة والديناميكية، بل والبرامج السياسية الحقيقية، والتواصل مع الجماهير التى تؤهلها إلى القيام بأي أدوار سياسية حقيقية.

وكانت أحداث يناير 2011، محطة جديدة فى اختبار الواقع السياسى المصرى، وربما كانت من أعنف الاختبارات التى تعرض لها المجتمع السياسى المصرى خلال تلك الحقبة الزمنية، فالأحداث استهدفت الرئيس وحزبه وأركان نظامه، فاستقالت الحكومة وتنحى الرئيس وتم حل الحزب، فكانت الفرصة الأولى ربما فى تاريخ الحياة السياسية المصرية للأحزاب السياسية أن تنهض و تسرع لملئ على هذا الفراغ الناتج عن حل الحزب الوطنى، ولكن لم تنتهز الأحزاب تلك الفرصة وتركت الساحة للقوى الأخرى والمتمثلة فى جماعة الإخوان المسلمين، لملئ هذا الفراغ، والأخيرة لم تجد منذ نشأتها فرصة للتقدم وتحقيق انتصارات سياسية أفضل من تلك الفرصة التي ربما لن تسنح لها مرة أخرى، فانتفضت وشاركت واستغلت خبرات 80 عاما في العمل السياسي، السري تارة، والعلني تارة أخرى، واستطاعت أن تحشد الحشود لمعارك سياسة متعددة فاستحوذت على برلمان 2012 وصعدت إلى سدة الرئاسة، وكأن الأحزاب السياسية الأخرى لا وجود لها، وكانت جثة هامدة في صراع سياسي سانح وحقيقي للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث.

أظهرت تلك المرحلة الضعف والوهن الذي يعاني منه المجتمع السياسي المصري وعدم قدرة عشرات الأحزاب السياسية من إقناع المواطن المصرى بوجودها، كما أظهرت تلك المرحلة أن الواقع السياسي المصري يتمثل في قوتين لا ثالث لهما، وهي الحزب الوطنى، وتنظيم جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما أظهرته التجربة من استحواذ الجماعة على كل الفرص السياسية بمجرد إخلاء الساحة من الحزب الوطني الديمقراطي.

وأظهرت التجربة العودة إلى زمن القيادات الشعبية غير الرسمية، وتجده متمثل فى بزوغ نجم عدد من الشخصيات السياسية على مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام ومتابعيهم عشرات الآلاف من المواطنيين، وإن دل على شئ فأنه يدل على افتقاد المواطنين للقدوة السياسية وحالة الفراغ التى يعانى منها المجتمع السياسى تلك الحالة عند مقارنتها بالتاريخ القريب نجد أنها حالة مكررة في التاريخ بعدم الثقة في الأحزاب وبرامجها، تقابلها ثقة في شخص ما أو مؤسسة ما، فتكون بديلاً عن الممارسة السياسية السليمة لأى مجتمع سياسي، وتمثلت تلك المظاهر فى التمسك بشخص وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، بعد تحرك المواطنين من تلقاء أنفسهم في ثوره بيضاء لتعبير عن غضبها وتمسكها بالثوابت الوطنية، ودفعت بوزير الدفاع للترشح لانتخابات الرئاسة الجديدة، بعد إزاحة نظام الإخوان، على الرغم من وجود عشرات الأحزاب السياسية، سواء القديم أو الحديث، إلا إنها لم تستطيع ملئ الفراغ الذى أحدثه انسحاب الحزب الوطنى، وجماعة الإخوان من المشهد السياسى، وظهر ذلك جلياً فى انتخابات برلمان 2015، حيث لم ينجح برلمانى واحد ضمن 596 عضوا، لأنه يمثل حزب بعينه بل نجح لأنه يمثل نفسه، لذا لم يستطع أحد الأحزاب أن يكون هو حزب الأغلبية في مجلس النواب، وكان أيضاً هذا المشهد هو الدافع والمحرك الرئيسى لاعتماد فكرة القائمة الذى تولاها المرحوم اللواء سامح سيف اليزل، حتى يمكن تشكيل مجموعة سياسية تشكل الأغلبية فى مجلس النواب، والتى شكله بعد ذلك تحت اسم ائتلاف دعم مصر.

وأظهرت الانتخابات الرئاسية لعام 2018، استمرار حالة الضعف والوهن التي أصابت الأحزاب السياسية ولم تستطع مجتمعة على تقديم مرشح لانتخابات رئاسة الجمهورية، وتتعللت بحجج واهية تتمثل في تضييق أمني وإعلامي، وهو الأمر الذى دفع المحترم موسى مصطفى موسى، إلى خوض معركة يعلم أنها خاسرة ويعلم أنها تسلب من رصيده ويعلم تمام العلم أنه أبداً لن ينجح، إلا أن دوافعه الوطنية كانت هي ما تحركه فى التقدم لانتخابات الرئاسة حتى يكتمل الشكل الديمقراطى الذى عجزت الأحزاب مجتمعة أن تقدمه.

لا أعفى الدولة على مدار تلك العقود من مسئوليتها، فهى لم تسع لوضع أطر تحقق إريحيه العمل للأحزاب السياسية في التحرك بين المواطنين، ويظل الهاجس الأمنى مسيطراً على التحركات السياسية، كما لم تخلق الدولة مناخاً قادراً على استيعاب حالة الحراك السياسى، وهنا أؤكد أن المسئولية مشتركة بين الدولة والأحزاب، وربما هنا يحضرني قرار مشاركتي السياسية الأولى فكانت متجردة من صفة حزبية سواء كنت مرشحا أو عضواً في البرلمان، فرفضت الانضمام لأى حزب أو ائتلاف، وحافظت على استقلالها، وهو أمر شديد الصعوبة فى العمل السياسى الذى يعتمد على التكتلات السياسية الكبيرة.

وخلال تلك الفترة منذ العام 2011، وحتى الآن، شهدت البلاد حالة من الحراك السياسي الحزبي والدستوري العنيف أثرت بلا شك على المجتمع السياسي المصري سلبا من ناحية وإيجابا من نواحي أخرى، وتمثلت الظواهر السلبية في صعود نجم تنظيم الإخوان الإرهابي، إلى سدة الحكم، ومحاولاته القبض على مفاصل الدولة ومؤسساتها في ظل حالة لا وعى التي تعيشها باقي الأحزاب السياسية، كما شهدت تلك الفترة عدد من الدساتير والإعلانات الدستورية؛ أسهمت بصورة كبيرة في اهتزاز المجتمع السياسي الذي يحتاج إلى استقرار دستوري حتى يستطيع أن يتقدم ويعمل ويشارك ويتحفز، كما أظهرت تلك المرحلة أيضا جانب إيجابي ويتمثل في المشاركة الضخمة للمواطنين في كافة الاستحقاقات وهو ما يمثل انعكاس حقيقي لحالة الحراك السياسي التي شهدتها تلك الفترة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.