Take a fresh look at your lifestyle.

إبراهيم شعبان يكتب: “حرب” بوب وودورد.. خفايا الحرب الأوكرانية

40

بقلم – إبراهيم شعبان 

لم يكن الكتاب السياسي طوال تاريخه، سردية طويلة من الدعاية الذاعقة أو المحسنات الجمالية والبلاغية، أو ما شابه ذلك من هراء تحتشد به الكثير من الكتب السياسية التي تصدر سنويا وتفتقد للمعلومة الصحيحة داخل الدوائر السياسية، ولكن في المقام الأول حقائق ورؤى تدعمها أسانيد ودلائل.

وهذا باختصار ما وجدته في الكتاب الجديد ذائع الصيت “حرب” للصحفي الأمريكي بوب وودورد.

فالكتاب الذي ترجم على عجل في القاهرة، بعد أسابيع قليلة من تصدره قائمة الأعلى مبيعا في الولايات المتحدة واحتفاء الكثيرين به، كتاب سياسي من الطراز الأول، لم اقرأ مثله منذ وفاة الكاتب الكبير محمد حسين هيكل قبل سنوات، الوحيد الذي كان قادرا على تقديم مثل هذه النوعية الفريدة من الكتب.

يأخذك الكتاب منذ الصفحات الأولى لحربين يشهدهما العالم الآن، ويدخل بك في تفاصيل وكواليس وقرارات الإدارة الأمريكية واتصالاتها وبالتحديد حربي أوكرانيا وغزة.

وسأتوقف عبر مقال اليوم أمام خفايا حرب أوكرانيا والتي لم تنته أو تحسم حتى اللحظة، وما كشفه بوب وودورد عنها.

فالحرب منذ اللحظة الأولى، دافعها الأساسي رغبة بوتين في ابتلاع أوكرانيا وحسب وصف بايدن لإدارته:”فان بوتين يريد أن يكون لاعبا كبيرا على المسرح الكبير، هذا هو كله ما يدور حوله هذا الرجل”.

الكتاب الذي يأخذك عبر أكثر من 450 صفحة، تقطع الأنفاس ولا تستطيع ان تغادره رغم مرور الساعات الطويلة، متدفق في معلوماته، فالمخابرات المركزية الأمريكية كانت على علم بنوايا وتحركات بوتين قبل غزو أوكرانيا، وهذه المعلومات الحساسة التي اطلعت عليها ساعدتها في التحرك قبل الغزو بأسابيع عدة لتواجه بوتين وفريقه بهذه المعلومات، وتكرر له مرة على لسان وليام بيرنز مدير الـcia وأخرى على لسان بلينكن إنه لا داعي لهذه الخطوة على الإطلاق، فينكر بوتين نيته في الغزو، ولكن الولايات المتحدة التي وقعت على مصدر ثمين داخل الإدارة الروسية واجهت بوتين بحقيقة تحرك قواته على الحدود الأوكرانية، واستطاعت التنسيق مع كل ألمانيا وفرنسا لكشف خطة الرئيس الروسي قبل التحرك.

المثير أن الرئيس الأوكراني، زيلينسكي والذي كان ممثلا كوميديا قبل أن يفوز بالرئاسة في 2021 ظل الشخص الوحيد، الذي لم يفهم جدية التحذيرات التي أطلقتها إدارة بايدن له. وكان مثيرا للشفقة إنه حتى صباح يوم الغزو رن هاتف زيلينسكي، وكان وزير داخليته دينيس موناسترسكي، والذي يشرف على الشرطة وحرس الحدود في البلاد، سأل زيلينسكي من أين يأتي الروس؟ من أي اتجاه؟ أراد أن يعرف بالضبط المحور الذي اختاره بوتين لغزو أوكرانيا. فرد موناسترسكي: من كل الجهات!!

وفي واحدة من اللقاءات الصعبة، وقبل بدء الغزو الروسي بساعات، أوفد بايدن نائبته كامالا هاريس للقاء الرئيس الأوكراني زيلينسكي وتحذيره من مغبة القادم.

قالت له هاريس بقوة: عليك أن تأخذ على محمل الجد احتمال أن يغزو الروس بلدك في أي يوم الآن.

رد زيلينسكي: نحن لا نعتقد أنهم سيغزون. وأضاف: نعم أنهم يهددونا.. إنهم يتنمرون علينا.. هذا ما يفعلونه.

بدأت هاريس، خلال اللقاء في قراءة أحدث أرقام القوات الروسية أمام زيلينسكي وبطريقتها التصادمية الجافة كما هو معروف في طريقة حديثها.

قالت هاريس: لدى الروس 200 ألف جندي، مخصصين لهذه العملية بما في ذلك 40 ألف في بيلارسيا.

رد وزير الدفاع الأوكراني الذي كان حاضرا اللقاء ريزنيكوف مقاطعا: هناك أقل من 10 آلاف جندي في بيلاروسيا. فردت هاريس: هذا لا يتوافق مع معلوماتنا على الإطلاق.

قالت هاريس لزيلينسكي: انظر فرقنا ستشارك معكم معلومات أكثر تفصيلا. لكننا نخبرك أن أرقامكم غير صحيحة.. أنتم حقا تواجهون غزوا محتملا في أي لحظة.

ساد صمت لدقائق. ثم قال زيلينسكي: ماذا تريدونني أن أفعل.

اقترحت هاريس وكان هذا قبل الغزو الروسي بساعات ولا يزال زيلينسكي ينكر: ابدأوا في التفكير في أشياء مثل وضع خطة لخلافة البلاد في حال تم القبض عليكم او قتلكم، أو لم تستطيعوا الحكم وأشارت إلى ضرورة وجود خطة هروب لتجنب القبض أو القتل وربما تعبئة المزيد من القوات الأوكرانية. لكن رد زيلينسكي: والذي لم يكن يصدق ما سيحدث إنه باق في كييف.

الكتاب الذي نشرت منه مختلف وسائل الاعلام العالمية مقتطفات منه قبل نزوله الأسواق، ويحقق مبيعات ضخمة في واشنطن يرصد يوميات الحرب الأوكرانية الروسية والأخطر ما أورده، عندما تحركت إدارة بايدن لسؤال بوتين مباشرة بعد معلومات موثوقة تماما، إذا كان يريد أن يستخدم أسلحة نووية تكتيكية لضرب أوكرانيا، وهو ما رد عليه بوتين وفريقه إنهم سيستخدمونها حال وجود كارثة وجودية تهدد روسيا، أو إذا هوجمت روسيا بأسلحة دمار شامل، وعند هذه الأثناء حبس العالم أنفاسه، فما يؤكده كتاب بوب وودورد أن بوتين بحث بالفعل استخدام أسلحة نووية تكتيكية وهو ما واجهته به إدارة بايدن مباشرة. ولم يتم انكاره بعد ظهور الكتاب للنور وتداوله على نطاق واسع.

“حرب” بوب وودورد، كتاب رئع ودسم وخطير يأخذك إلى تفاصيل مرعبة حول ما يدور بين القوى العظمي في العالم، وظهر في خضم الأحداث ولم تنكر أي جهة ما جاء فيه من معلومات مثيرة..

وإلى وقفة أخرى مع كتاب بوب وودورد حول الجزء المتعلق بحرب غزة.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.