Take a fresh look at your lifestyle.

“الذئب المجهول”

38

“الذئب المجهول”
قصة قصيرة
بقلم الدكتور ناصر الجندي

في مدرسة “الأمل الثانوية”، كان منصور وكيل المدرسة دائم التواجد في كل مكان، يصافح الجميع بابتسامة عريضة ويتحدث بنبرة الواثق قائلاً: “نحن فريق واحد… لن أتأخر عن مساعدتكم!”. ظاهريًا، كان يبدو وكأنه جندي مجهول يعمل بصمت، يساهم في تقدم المدرسة ويقف إلى جوار زملائه، لكنه في الحقيقة كان شيئًا مختلفًا تمامًا.
كان منصور يتقن فن الاختباء وراء الشعارات الجميلة والمظاهر الخادعة. اعتاد أن يُكثر من الحديث عن الصلاة والأخلاق أمام الجميع، فيحرص على أن يصلي في وسط الطابور المدرسي، وفي كل مرة يرفع يده بالدعاء أمام الطلاب والمعلمين وكأنه قديس بينهم.
لكن في الوقت ذاته، كان يختبئ خلف هذه الأفعال لينأى بنفسه عن أي عمل حقيقي. فعندما يطلب مدير المدرسة تقريرًا عن سير العمل، كان منصور يقف متحمسًا ويقول: “أنا هنا دائمًا، جاهز لمساعدة زملائي!”، لكنه يُلقي بالمسؤولية على غيره.
كان منصور يجلس في مكتبه ساعات طويلة، يدّعي الانشغال بالأوراق والملفات، بينما في الحقيقة كان يتابع الأخبار أو يقلب هاتفه. أما حين يمر عليه أحد المعلمين مستفسرًا عن شيء، يبتسم منصور ويرد بلطف: “لا تقلق، سأهتم بالأمر بنفسي.”، ثم يتناسى ما طلبه المعلم أو يتجاهله عمدًا.
وذات يوم، وأثناء تحضيرات المدرسة للاختبارات النهائية، فوجئ الجميع بأن منصور لم يُنجز أي مهمة من مهامه. لجان الامتحانات كانت ناقصة، الأسئلة غير جاهزة، والمطبوعات لم تُسلم. هرع المدير غاضبًا وسأل:
“منصور! ألم تقل إنك اهتممت بكل شيء؟”
رد منصور بهدوء وثقة مصطنعة:
“سيدي المدير، لقد كنت أصلي وأدعو الله أن يتم العمل بنجاح… لكن ربما هناك تقصير من البعض.”

تفاجأ زملاؤه بهذا الرد، فقد ظنوا طوال الوقت أنه يعمل بجد، بينما كان في الحقيقة يتوارى خلف قناع التدين ليغطي على إهماله. بدأ الجميع يدرك أن وراء تلك الابتسامة المزيفة ذئبًا مجهولًا، يختبئ في الظل، يتظاهر بالفضيلة بينما يترك الآخرين يواجهون الأزمات وحدهم.
ومع مرور الوقت، انكشفت حقيقته شيئًا فشيئًا، فلم يعد أحد يلقي بالًا لمظاهره، وأصبح اسمه على ألسنة المعلمين: “الذئب المجهول” الذي يختبئ حول الصلاة والحديث عن الأخلاق ليتهرب من مسؤولياته.
في النهاية، أدرك منصور أن القناع الذي ارتداه طويلًا قد سقط، وأن الاحترام الحقيقي لا يأتي من المظاهر، بل من الإخلاص والعمل الجاد. لكن للأسف، كان الوقت قد فات ليصلح ما أفسده خداعه.

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.