الشوك والقرنفل
كتبت هيام كامل .. الشوك والقرنفل
ابن الموت الذي حمل علي كتفيه روحه من أجل الدفاع عن بلاده وقضيته، يتسم بالحنكة السياسية والذكاء الشديد والبطولة التي كنا نقرأ عنها في كتب الصحابة والتابعين، عندما كان المسلمون مسلمين يحملون سيمات الشهامة والرجولة والبطولة والنخوة والشرف والأخلاق الحسنة، اشتقنا إلي رجال صدقوا مع الله.
يقول الله تعالي (مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).
الرجل الذي قلب موازين العصابة الصهيونية الإرهابية، الذي خرج من سجون معتقلات الاحتلال الصهيوني الذي حكم عليه ٤٢٦ سنة سجن، مكث منهم ٢٤ عاما متواصلة ليخرج في صفقة تبادل أسرى عام ٢٠١١ مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. هذا هو البطل الشهيد يحي السنوار رحمه الله تعالي، سياسي فلسطيني محنك ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ولد في أكتوبر عام ١٩٦٢ ونال الشهادة في أكتوبر عام ٢٠٢٤، متزوج ولديه ثلاثة أطفال أكبرهم أبراهيم، شقيقه الذي يسمى بـ”رجل الظل” لندرة ظهوره (محمد السنوار) القيادي في كتائب القسام، ومرشح بقوة أن يكون مكان أخيه الشهيد، هو الأخر عنيد وشديد الذكاء وخازن أسرار ومهندس بارع وقليل الظهور، ويتوعد بالجحيم لإسرائيل.
(أبو إبراهيم )
يقولون إن أبا إبراهيم كان السبب في جلب الاحتلال إلي قطاع غزة والدمار الشامل فيها، ويتناسون أن فلسطين كلها محتلة منذ وعد بلفور، وأن احتلال العصابات الإرهابية الصهيونية المدمرة جاثم على صدورنا واحتلال أراضينا ونهم ثرواتنا وسرقة أحلامنا وأمانينا وحياتنا منذ عقود من الزمن، لقد نسوا أن فلسطين محتلة حتي الحين٧٦ عاما متواصل من العدوان، يسقطون فشلهم وعارهم على المقاومة.
لقد نسوا أو تناسوا أو تغابوا أن ما قبل السابع من أكتوبر كانت معتقلات العصابات الصهيونية تمتلئ بآلاف الفلسطينين العزل من النساء والأطفال والرجال، مئات مثل السنوار وراء القضبان مازالوا يتمنون الحرية والقصاص، قبل السابع من أكتوبر كانت فلسطين محتلة والقدس تُدنس والكرامة تُداس بالأقدام والقضية الفلسطينية في طي النسيان أعواما وغزة في حصار.
إن محاولة القفذ فوق الشعوب المحتلة محاولة فاشلة وليست عادلة ولم تجدي؛ لأن الشعب الفلسطيني شعب حر مقاوم صامد لا يبيع أرضه ولا عرضه ولا دينه بكنوز الدنيا، فيتنحى أصحاب المصالح والمقولات الهدامة والفاشلة جانبًا؛ الصراع لا يحتملهم الآن، والقضية أكبر من عقولهم الضيقة الهرمة الساقطة في أوحال الخيانات.
قل لي -بالله عليك- ياصاحب مقولة “إن السنوار دمر غزة” أين كانت كرامتك وعزتك وشرفك الذي كان يدنس يوميا وقدسيتك التي كانت تُنتهك يوميا، يحي السنوار نعم هو القائد والعقل المدبر للسابع من أكتوبر الذي أحيا القضية ودافع عن شرف الأمة كلها وأزال العار الذي لحق بأمتنا وعروبتنا، وبسببه تعاطفت شعوب العالم معنا وظهرت حقيقة المحتل الغاصب.
من مات تحت الركام شهيد خير ألف مرة من الموت علي سرير الخيانة والعار ، (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾
ثم إني اسأل وأتعجب من كل من يريد سلب الأمة المحتلة من عنصر المقاومة الحرة الشريفه، أنا لا أنتمي إلي أي حزب ولا طائفة، أنا فقط أقول كلمة حق وشرف في حق من يستحق.
هناك شعب يُباد ونساء وأطفال يُقتلون ويُحرقون أحياء ويموتون جوعًا، جثث في الطرقات لا تتدفن حتى تتعفن أو تأكلها الكلاب ويسرق أعضاءها احتلال غاشم من جنود مرضى نفسيين، ويحملون حقدا وكرها عميقا للأمة الإسلامية والعربية، يتلذذون بهستريا القتل والذبح والتعذيب، جنود كل هدفها الانتقام من أناس أبرياء عزل لا ذنب لهم إلا أنهم فلسطينيون، جنود هذه العصابة ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية يشين لها الجبين ويعجز الوصف عنها ومهما وثقنا هذا في كتب التاريخ أو أفلام وثائقية فلن نستطيع وصف ما حدث في الأراضي المحتلة، سوف نعجز عن وصف بشاعة الحقيقة، وحينها سنعرف أننا جميعاً كنا مقصرين،
ثم إني أتمني أن أفهم وجهة نظر الغرب وكل الحكومات العربية في بلد محتل بلا مقاوم يريدون نزع السلاح منهم والقضاء عليهم وكأنهم ماشية بهائم لا يتكلمون ولا يدافعون ولا يقاومون ويدفعون عن أنفسهم الشر، المقاومة الشعبية الحرة مهما كانت أهدافها فهي في النهاية مقاومة.
ابني وأختي وعائلتي تحت الركام وتقول لي لا أقاوم! أرضي مغتصبة ولا أقاوم! أي عقل ودين يقول عكس ذلك؟
لا أدافع حتى بعصا أو بحجر أو بلساني أو بعقلي أو بقلبي أو بنفسي أو بقلمي؟!
ورسالتي للصهاينة: (اسم يحيى لم يمت حتي لو نال الشهادة سوف يظل فكرة حية إلى الأبد، والفكرة يا بني صهيون لا تموت، سوف تموتون وتذهبون إلى انقاض مزبلة التاريخ وسوف تحيا فلسطين وتتحرر القدس مهما طال الغدر والاغتيال والاحتلال.
الشهيد البطل السنوار ابن موت منذ ولادته حينما كان يعيش وهو طفل في مخيمات اللاجئين مات حينما اعتقل عدة مرات، ثم عاش بقية حياته مقاومًا مخلصًا شجاعًا يدافع عن أرضه وعرضه لا يهاب الاحتلال، ثم قتل شهيدًا وهو في الميدان يواجه عدوه وجهًا لوجه بمنتهى الشجاعة والإيمان والقوة والإصرار قتل وهو يرمي بآخر شيء يقاوم به وهو عصا مقابل مسيرة).
((سبحتة))
الكل تحدث عن مقتنيات السنوار بعد استشهاده، ولكن لم يذكر أحد أن من بين هذه المقتنيات سبحة وأذكار الصباح والمساء، سبحته التي كانت لم تفارقه حتي أثناء المعارك وأذكاره التي تحميه من الغدر، إن دل ذلك علي شيء فإنما يدل على قوة إيمان هذا الرجل العظيم، وطريقة موته وحسن خاتمته تدل على أن بينه وبين الله تعالى الكثير الذي لم نعرفه.
أنا لا أستهين أبدا بشهداء الشعب الفلسطيني، لكن يحي السنوار كان حالة خاصة جدا، وأول مقاوم قائد سياسي يكون في الصفوف الأولي أمام مواجهة عدو سرش ومجرم وصهيوني خبيث، فكان جزاءه الشهادة والجنة بإذن الله.
والجدير بذكر أن السنوار لم يكن في الأنفاق بل كان في الميدان لم يختبئ مثل الفئران، واجه بشجاعه وبسالة العدو في أرض الميدان.
رغم أنه قد عرض عليه مبلغ ضخم مقابل أن يهاجر هو وأسرته غزة ويترك القضية، إلا أنه رفض بشدة
وبعد كل هذا لم يسلم من أكاذيب الصهاينة الوقحة المستمرة، إنه كان يمتلك عدة بسبورات ومالًا كثيرًا للاستعداد للهرب، فخيب الله أقوالهم وظنهم وأكاذيبهم، أكاذيب لا تسمن ولا تغني من جوع، وأتمني ألا أسمع هذه الأكاذيب على ألسنة عربية، وأتمني ألا يدنس الاغتيال والغدر سمعة السنوار في مماتة إكرامًا لمنزلة الشهادة التي نالها.
وعلينا أن نذكر الرواية التي كتبها يحي السنوار خلف قضبان الاحتلال وهي (الشوك والقرنفل)، فهي تحكي عن نضال الشعب الفلسطيني، ونسخها عشرات النسخ رجال خلف القضبان، ثم خرجت للنور وتحررت من الاعتقال سنة ٢٠٠٤، وهي مكونة من ثلاثين جزءًا تحمل عذاب المقاوم الفلسطيني، رحمة الله علي الشهيد القائد (يحي السنوار).
بقلم/ هيام كامل.
التعليقات مغلقة.