سيور ذهبية .. قصة قصيرة للكاتب سمير الفيل
تسع سنوات أو يزيد قضيتها كبائع أحذية . مهارتي تكمن في إقناع ” الزبون ” بالشراء ، مع وجود هامش من الربح معقول. فترة تمتد من الظهيرة إلى ما بعد العصر أدير فيها بمفردي محل كبير جدا بمخزنين، وصندرة .
في تلك المساحة الزمنية كانت الشمس تتعامد على ألواح الزجاج بالفترينة فأخرج ، أشب على أمشاط قدميّ ، لأضع ساترا من القماش “الباتستا ” المشجر على الواجهة. من خلفه كنت أختلس النظر لما يحدث في محل الحلويات المواجه لنا . كانت محاسن فتاة تكبرني بأعوام عديدة ، لكنها تبيع المشبك والبسيمة والهريسة وهي تغني بصوت جميل مبحوح .
في ساعة معلومة تأتي لتقيس شباشبا لن تشتريها أبدا . كانت تحضر معها قطعة الهريسة البيضاء التي عرفت أنني أحبها دون أن أطلبها .
تضحك بدون مناسبة وهي تسألني : ” هل جاءكم شبشب أحمر بسيور ذهبية ؟ ” . أتأمل عينين خجولتين تسرح فيهما طيور تشقشق وأرد بنصف خجل : ” طلبك يمكن أن يأتي غدا ” . تتقصع وهي تسحب نفسها كشمس أمشير العجولة، و تدندن بلحن بديع لسيد درويش ” ياعشاق النبي ” .
المزيد من المشاركات
مر أسبوع ولم تأت محاسن . عرفت أنها قد سكبت ” الجاز ” على جسدها ، وأشعلت عود ثقاب لأن أهلها صمموا أن تتزوج من عجوز ثري . أنقذوها بصعوبة وغطوها بسجادة صوف قبل أن تلتهمها النار .
طقـّـست، وعرفت مكان حجرتها في المستشفى الأميري . ذهبت إلى حيث ترقد . كان معي زهرتان قطفتهما من جسرخفي بباطن ترعة الشرقاوية بالقرب من مدرستي.
زهرتان وضعتهما على الكومدينو دون أن أنبس بكلمة . رمقتني محاسن وهي مغطاة بملاءة خفيفة . سألتني وشعرت بها تبكي : ” ألم يأت زوج شبشب أحمر بسيور ذهبية؟ ” .
-
سمير الفيل – كاتب متحقق وحاصل على جائزة الدولة التشجيعية
التعليقات مغلقة.