ياسمين خليل تكتب – هجمة مرتدة
لقد خُلق الإنسان لكى يعبد الله فى كل زمان ومكان ولكن بصور وأشكال مختلفة ومتعددة ، فالإنسان الأول الذى تأمل وتفكر فى نظرته إلى الكون فعرف بفطرته بأن لهذا العالم الكبير ربُ أكبر ربما قد رأه متجسداً فى شمس أو قمر أو رياح أو أرواح ، فهذا الإنسان عرف ” التدين ” قبل أن يعرف ” الدين ” . فهذه القوى التى تراقبه و تضع يديها عليه ، فأرهبته بالعقاب و كافئته بالعطاء ، فكان لازاماً عليه أن يقدم لها فروض الولاء والطاعة ، فمارس الطقوس والعبادات وأقام الشعائر وظل هكذا حتى ظهرت الأديان السماوية التى أقامت (الدين) ونظمت من صوره وأشكاله.
ولعل تلك السطور.. قد منحتنى المُنعطف الذى يمكن أن أستهل به الحديث عن ظاهرة ليست بجديدة تضرب جذورها عمق المجتمعات الأفريقية على وجه الخصوص وبشكل أدق دول شمال افريقيا ، فالإعتقاد فى الأولياء والكرامات موروث ثقافى وديني لدى تلك الشعوب ،وان كانت تختلف شدة درجاتها وارتباطها بالحياة العامة لدى افرادها باختلاف ثقافة كل بلد وبمقدار تمسكها بتلك المعتقدات الموروثة.
فنجد على سبيل المثال أن تلك الظاهرة بالممكلة المغربية لها تاريخ عميق وإرث هائل من سير الأولياء وكرامتهم وارتباطهم الشديد بعوالم الخوارق والأساطير ، تلك الثقافة الموروثة من أسلاف البربر والأمازيغ وحضارات أخرى عاهدتها مثل الحضارة الفينيقية والرومانية والقرطاجيين والمرابطين.
وما أفرزته بعدها ظهور الصوفية والمتصوفة من خلال الزوايا الدينية وما لعبته تلك الزوايا وروادها فى الحياة الإجتماعية والسياسية من أدوار هامة ، حتى تحول بعض أصحابها أو من تبعهم أو من تواجدو فى تلك الفترة الزمنية لشخصيات إعتبارية هامة فى الذاكرة الشعبية المغربية فدارات حولهم أساطير وحكايات عن الخوارق والكرامات التى اتصفوا بها ، فكان نتيجة ذلك هو اعطاء هؤلاء الاشخاص الصفة الإعتبارية وتصنفيه بانه “ولى” وصاحب كرامات وأصبح له مُريدين يتهافتون عليه للحصول على الكرامة والمدد وحتى بعد وفاته يقومون ببناء ضريح له ليدفن به تكريماً وتبجيلاً له.
حتى يستطيعون زيارته وتقديم الهبات طلبا فى تحقيق الأمنيات والرغبات فهم يعتقدون انه موصول بين الارض والسماء بمدد وكرامه لتحقيق ما يتمنون ، نعم فهو مازال موصول بالكرامة فى تحقيق تلك الامنيات حتى بعد مماته.
ويجري ذات الأمر بالسودان التى تتعدد فيها صنوف الطرق ، حيث انتشرت الطرق الصوفية في كل أرجاء السودان حتى وصل عددها حسب بعض الباحثين إلى حوالي أربعين طريقة أساسية وفرعية ، لعل أشهرها القادرية بفروعها المتعددة والختمية والسمانية والشاذليه والمكاشفية والمجذوبيه والادريسية الأحمدية والرشيديه والإسماعيلية.
ولا يبعد الأمر كثيراً فى مصر عن أسماء هذه الطرق فنزيد عليهم الطريقة الرفاعية والدسوقية والتيجانية وهى الطريقة التى دارات حولها فى الايام القليلة الماضية الكثير من الجدل حولها ولن اسرد لكم ما هى تلك الطريقة والى ماذا تهدف او من صاحب هذه الضجة الاعلامية المثارة حوله فهو الان قبض عليه وجارى التحقيق معه ومصر دولة قانون وتخضع لقوة القانون.
لكنى سوف اتناول الحديث عن هذا اللغلط من منظور آخر ، لماذا يعتقد المصريون فى هذه الطرق ؟ ويمارسون منهاجها ومن هى الشرائح المستقطبة لها ومن أين تأتى بعملية الإقناع ؟
بادئ ذي بدء فلا خلاف على وجود الأولياء الصالحين ، فأولياء الله الصالحين واصفيائه كُثر ومنهم ما خصه الله سبحانه وتعالى فى القرأن الكريم كسيدنا الخضر عليه السلام ورحتله مع نبى الله موسى فى سورة الكهف ، و كذلك فى سورة النمل الايه ” قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40)
فلم يحدد القرأن الكريم هنا انه كان نبى وأم ملاكاً من السماء أم عفريت من الجن ، ولكنه قال الذى عنده علم من الكتاب وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى قد خص بعض من عباده بصفات ليست عند كثير من البشر تأتى بالمعجزات الإلهية التى قدرها الله عز وجل بأمره وليس بإجتهاد من البشر .
لكنه الآن فى زمننا هذا نري الكثير من يدعى صفات ” الولاية ” و ” البركة ” و ” النور ” و” المدد” ويتخذون باسم الدين واشكاله طرقاً لتضليل الناس واستقطابهم ربما لمصالح مادية فى بعض الأحيان وأخرى لتنفيذ أجندات معينة هدفها تدمير المجتمع والحرب على الاسلام وضرب العقيدة الاسلامية الصحيحة لصالح حركات عالمية مدعومة من الغرب كالماسونية والصهيونية.
تستهدف هذه الظواهر الدخيلة على الإسلام إعادة تمثيل الوثنية والشركية من خلال نشر تلك الخزعبلات فى صور التقرب الى الله من خلال الطرق المتعددة الاسماء فى مصر مثل الرفاعية والقادرية والتيجانية وغيرها من المسميات تستهدف طبقات أبعد ما تكون عن بعضها البعض، فنجد فى قري صعيد وريف مصر اشكالاً غريبة من حلقات الذكر يقومون بحركات غربية ويصدرون أصواتاً أغرب ولعل البعض ما او الكثير قد شاهد ويشاهد تلك المقاطع المصورة والمنتشرة على صفحات التواصل الإجتماعى ، وما بها من أفعال وممارسات تعود بنا الى عصر الجاهلية وعبادة الاوثان فتجحظ عيناك من هول ما ترى من وهى ابعد ما تكون عن الدين ولا جاءت بذكر فى القرأن الكريم ولا السنه النبوية الشريفة ، فرسول الله صل الله عليه وسلم قد جاء برسالته السماوية ليحرر الإنسان من عباده الأوثان والشرك بالله والمجون وها نحن الان نشاهد عكس ما جاء به الاسلام والسنه فى مشهد مخيف.
والعجيب والللافت للنظر والعقل انه تجد هذه الطرق تختلف طرق تطبيقها باختلاف الشرائح المستقطبه لها، فنجد فى قري ريف وصعيد مصر ان تلك الممارسات تلعب على نقطة الضعف والجهل المجتمعى والدينى وتستغل فرصة تدنى مستويات المعيشة لهؤلاء الأفراد وضعف الحالة الاقتصادية لهم فيقومون باستقطابهم من خلال توزيع الإعانات من مواد غذائية وإقامه الولائم على شرف المشاركة فى هذه الممارسات ، فينجذب بالتالى لها قطاع كبير من أهل تلك القرية ، وفى ذلك يستعملون أدوات بسيطة جاذبه للعين مثل ارتداء الملابس الملونه والاكسسوارات الكثيرة من سبح وعمائم وأشياء أخرى لافته ويقومون بالرقص والصياح والصخب وإصدار الأصوات الغير مفهومة فى بعض الأحيان كنوع من انواع الجذب والترغيب .
اما فى مجتمع المدينة فنجدها تختلف كلياً ونجد انها تستقطب الطبقة الغنية على عكس الطبقة الفقيرة فنجد هنا الشيخ الانيق صاحب الجوانتى الأبيض وبشرة الأطفال المشرقة المتعطر والمتحلى بأفخر الثياب ويتلف حوله عدد من المشاهير اصحاب المال والأعمال والفن يطلبون العون والمدد والنور والبركة .
وعلى صعيد أخر تجدهم يحتسون الخمر ويمارسون الفساد الأخلاقى !
عجبا أإنه دين جديد ونحن لا نعلمه ؟ من أين أتت لنا هذه الظواهر الغريبة التى تضرب مجتمعنا الإسلامى بشكل عام ؟ أهى هجمة مرتدة على الإسلام الذى آتى ليقشع ظلام الكفر والشرك والعبودية وآتى بالتوحيد لعبادة الله الواحد القهار دون شريك له ولا وسيط
من أين تأتى تلك الأفكار الشركية التى ـحاطت بمجتمعنا وصارت تروج له وتلقي من يدعمونه ويعطونه صلاحية العبور الينا؟
فالثقافة والمجتمع وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما أو العمل بواحدة دون الأخرى ، فإذا توحدت الأهداف حول ظاهرة تمس الجوانب الروحية والعقائدية لابد وأن تجدها مٌلمة بكافة جوانبها الإجتماعية
فهذه الظاهرة يجب محاربتها من خلال القنوات الإسلامية الرسمية فى الدولة كدار الإفتاء والأزهر الشريف وخطباء الجمعه على المنابر والأباء والأمهات فى المنازل والمدارس والجامعات وغيرها من القنوات التثقفيفة والتوعوية بخطورة هذه الظاهرة الفاسدة المغلفة بغلاف التدين وهى أبعد ما تكون عن الدين الإسلامى الصحيح والسنة النبوبة الشريفة ، وصدق رسوله الكريم حينما قال فى حديث الثقلين ” تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا, كتاب الله وسنتي”.
فأفيقوا أيها المسلمون فى كل مكان من تلك الهجمة المرتدة على الإسلام بالعودة إلى كتاب الله وسنه رسوله ” وإسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” صدق الله العظيم.
التعليقات مغلقة.